للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن حديث أبي هريرة هذا يعارضه؛ لأنه يصرح بانتهاء الناس عن القراءة مع رسول الله - عليه السلام - فيما جهر به رسول الله - عليه السلام - بالقراءة من الصلوات، وحديث عبادة أخبر أنه أمر المأمومين بالقراءة خلفه بفاتحة الكتاب مطلقًا، فبينهما تعارض ظاهرًا في حكم القراءة في الجهرية، وحديث أبي هريرة الآخر الذي يأتي عن قريب وهو قوله: "فإذا قرأ فأنصتوا" يعارضه مطلقًا، سواء كان في الجهرية أو في السرية، وكذلك أحاديث ابن مسعود وجابر وابن عمر وأنس بن مالك كلها تعارض حديث عبادة على ما يأتي مفصلًا، فإذا ثبت التعارض يجب الرجوع في أخذ الحكم إلى طريق النظر، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى.

وجواب آخر: أن قوله - عليه السلام - "لا تفعلوا إلَّا بفاتحة الكتاب" في حديث عبادة يحتمل أن يكون ذلك قبل أن يؤمروا بالإنصات عند قراءة القرآن، فلما نزل قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} (١) بطلت القراءة خلف الإِمام، وقد وردت أخبار في أن هذه الآية نزلت في القراءة خلف الإِمام.

والدليل على ما قلنا: ما أخرجه البيهقي (٢): عن مجاهد قال: "كان رسول الله - عليه السلام - يقرأ في الصلاة فسمع قراءة فتى من الأنصار، فنزل: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} وأخرج عن الإِمام أحمد (٣) قال: أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة.

ويحتمل أن يكون ذلك بطريق تحصيل الفضيلة والكمال لا الوجوب للأحاديث التي وردت في منع المقتدي عن القراءة.

وقوله: "فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها" معناه لا صلاة كاملة لمن لم يقرأ بها، ونحن نقول أيضًا بذلك، ولكن هذا في حق الإِمام والمنفرد، وأما المقتدي فليس عليه ذلك أصلًا.


(١) سورة الأعراف، آية: [٢٠٤].
(٢) "سنن البيهقي الكبرى" (٢/ ١٥٥ رقم ٢٧٠٦).
(٣) انظر: "نصب الراية" (٢/ ١٠) وهذا الأثرم خرجه أبو داود في سؤالاته للإمام أحمد (ص ٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>