للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (١): ثنا أبو بكر بن عياش، عن حصين، عن مجاهد قال: "ما رأيت ابن عمر يرفع يديه إلا في أول ما يفتتح".

ص: فإن قال: قائل: هذا حديث منكر. قيل له: وما دَلَّك على ذلك؟ فلن تجدك إلى ذلك سبيلًا، فإن قال: إن طاوسًا قد ذكر أنه رأى ابن عمر يفعل ما يوافق ما روي عنه عن النبي - عليه السلام - من ذلك. قيل لهم: فقد ذكر ذلك طاوسٌ، وقد خالفه مجاهد، فقد يجوز أن يكون ابن عمر - رضي الله عنهما - فعل ما رواه طاوسٌ، يفعله قبل أن تقوم عنده الحجة بنسخه، ثم قامت عنده الحجة بنسخه فتركه وفعل ما ذكره عنه مجاهد وهكذا ينبغي أن يحمل ما روي عنهم وينفى عنهم الوهم حتى يتحقق ذلك، وإلا سقط أكثر الروايات.

ش: هذا اعتراض من جهة الخصم على دعوى النسخ في حديث ابن عمر، بيانه أن يقال: لا نسلم أن يكون خبر مجاهد دليلًا على انتساخ ذلك الحديث؛ لأنه منكر لأنه مخالف لما ثبت في "الصحيح" ولما رواه الحفاظ الكبار، فأجاب عنه بقوله: وما دلَّك على ذلك؟ أي على كونه منكرًا، فلن تجد إلى ذلك أي إلى إثبات كونه منكرًا سبيلًا، أراد أن هذا مجرد دعوى بأنه منكر فلا تقبل، فلا ترد علينا، ثم قال: فإن قال -أي الخصم-: إن طاوسًا قد ذكر أنه رأى ابن عمر يفعل ما روي عنه عن النبي - عليه السلام - من ذلك، أي من رفع اليدين عند الركوع وعند رفع الرأس منه.

وقد روى البيهقي في "سننه" (٢): من حديث شعبة، عن الحكم، قال: "رأيت طاوسًا كبر فرفع يديه حذو منكبيه عند التكبير، وعند ركوعه، وعند رفع رأسه من الركوع، فسألت رجلًا من أصحابه فقال: إنه يحدث به عن ابن عمر، عن عمر، عن النبي - عليه السلام -. قيل لهم -أي للخصم وهم أهل المقالة الأولى-: سلمنا أنه قد ذكره طاوس، ولكنه قد خالفه مجاهد فتحققت المنافاة بين كلاميهما، فتعين التوفيق


(١) تقدم.
(٢) "سنن البيهقي الكبرى" (٢/ ٧٤ رقم ٢٣٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>