ص: وأما النظر في ذلك فقد كفانا الكلام فيه ما بيّنا من حكم اللحمان في باب سؤر الهر.
ش: أي في حكم ولوغ الكلب في الإناء فكان قد بيّن في باب سؤر الهرّ أن ما كان سؤره نجسا كان حكمه حكم سائر النجاسات، وحكم النجاسات أن تُطهر بالغسل ثلاث مرات، فكذلك الإناء الذي ولغ فيه الكلب يطهر بالغسل ثلاث مرات، والتقدير بالثلاث في إزالة النجاسات غير لازم عندنا، بل هو مفوض إلى غالب رأيه وأكثر ظنه، وإنما ورد النص بالثلاث بناء على غالب العادة، فإن الغالب أنَّها تزول بالثلاث، ولأن الثلاث هو الحد المضروب لإبلاع الأعذار كما في قصة العبد الصالح مع موسى - عليه السلام - حيث قال له موسى في المرة الثالثة:{قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا}(١).
ص: وقد ذهب قوم في الكلب يلغ في الإناء أن الماء طاهر ويغسل الإناء سبعا وقالوا: إنما ذلك تعبد تُعبدنا به في الآنية خاصة.
فكان من الحجة عليهم:"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن الحياض التي تردها السباع قال: إذا كان الماء قلتين لم يحمل خبثا" فقد دلّ ذلك أنه إذا كان دون القلتين حمل الخبث، ولولا ذلك لما كان لذكر القلتين معنى، ولكان ما هو أقل منهما وما هو أكثر سواء، فلما جرى الذكر على القلتين ثبت أن حكمهما خلاف حكم ما هو دونهما، فثبت بهذا من قول رسول الله - عليه السلام - أن ولوغ الكلب في الماء ينجس الماء، وجميع ما بيّنا في هذا الباب هو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.
ش: أراد بالقوم: الأوزاعي ومالكا وأصحابه وبعض الظاهرية فإنهم قالوا: إنَّ الإناء إذا ولغ فيه الكلب لا ينجس الماء ولا الإناء، إنما يغسل سبعا تعبدا.