وقال عياض في "شرح مسلم": مذهبنا في غسل الإناء من ولوغ الكلب تعبد مستحق العدد وهو مذهب أهل الظاهر، لكن يتنزه عنه عندنا مع وجود غيره وهو قول الأوزاعي، وقال الثوري: من لم يجد غيره توضأ به ثم تيمم.
ووافقنا الشافعي في العدد وخالف في نجاسة الكلب فقال: هو نجس. وقد حُكي هذا عن سحنون.
فإن قيل: ما حكم الخنزير إذا ولغ في الإناء؟.
قلت: يقُاس على الكلب لنجاسته، وهو أحد قولي الشافعي، وعند مالك لا يغسل؛ لأنه لا يقتني فلا يوجد فيه علة الكَلِب من أذى الناس، وهو قول للشافعي، وعنه يغسل لتقذره وأكله الأنجاس.
وقال الإِمام: احتج أصحابنا بتحديد غسل الإناء سبع مرات أنه لو كانت العلة النجاسة لكان المطلوب الإنقاء وقد يحصل في مرة واحدة.
واختلف عندنا هل يغسل الإناء من ولوغ الكلب المأذون في اتخاذه؟ فيصح أن يبنى الخلاف على الخلاف في الألف واللام في قوله:"إذا ولغ الكلب" هل هي للعهد أو للجنس؟ فإن كانت للعهد اختص ذلك بالمنهي عن اتخاذه، وهل يغسل الإناء من ولوغه في الطعام؛ أيضًا خلاف، ويصح أن يبنى على خلاف أهل الأصول في تخصيص العموم بالعادة، إذ الغالب عندهم وجود الماء لا الطعام. انتهى.
والجواب عن ذلك: إنَّا لا نسلم أن يدل تحديد الغسل بالسبع على الطهارة، بل يدل على قوة النجاسة، ولهذا أمر بالتراب في السابعة مبالغة في قصد التنظيف، ولا نسلم أيضًا أن يحصل الإنقاء في مرة واحدة؛ لأن ذلك يعرف عقلًا ويلزمهم في قولهم بالتعبد أن يقولوا بغسل جميع الإناء ما لاقى الولوغ وما لم يلقه، عملًا بحقيقة لفظ الإناء، وأما الألف واللام في "الكلب" فلتعريف الحقيقة وتفيد الاستغراق، بيان ذلك أن المعرف باللام قد يكون نفس الحقيقة من غير نظر إلى الأفراد، مثل: الرجل خير من المرأة، وقد يكون حصة معينة منها واحدًا أو أكثر مثل جاءني رجل،