للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "أقرب ما يكون" مبتدأ حُذف خبره لسدِّ الحال وهو قوله: "وهو ساجد" مسدَّه، مثل قولهم: أحب ما يكون الأمير وهو قائم، وعلم من ذلك خطأ من زعم أن الواو في قوله: "وهو ساجد" زائدة؛ لأنه خبر لقوله: "أقرب" وتحقيق الكلام ها هنا أن "ما" في "ما يكون" مصدرية، والفعل الذي بعدها بمعنى المصدر، وهو بمعنى الجمع هنا لأن أفعل التفضيل يجب أن تكون بعض ما أضيف هو إليه، فتقديره أقرب أكوان العبد من أنه حاصل إذا كان وهو ساجد، ثم حذف الخبر أعني "حاصل"؛ لأن حذف متعلقات الظروف شائع كثير، ثم حذف الظرف أعني إذا كان لدلالة الحال عليه؛ لأن الحال يدل على الوقت والزمان، فالحال يدل على الظرف والظرف على الخبر، فالحال على الخبر لأن الدال على الدال على الشيء دال على ذلك الشيء.

فإن قيل: ما معنى كون العبد أقرب إلى الله حالة السجود من بين سائر أحواله؟

قلت: لأنه في حالة تدل على غاية تذلل واعتراف بعبودية نفسه وربوبية ربه، فكانت مظنة الإجابة فلذلك أمر - عليه السلام - بإكثار الدعاء في السجود، بقوله "فأكثروا الدعاء" أي في حالة السجود، واستدل بعض العلماء بهذا الحديث أن السجود أفضل من القيام، ومذهب أبي حنيفة أن طول القيام أفضل من كثرة الركوع والسجود، وبه قال الشافعي؛ لقوله - عليه السلام -: "أفضل الصلاة: طول القنوت".

رواه مسلم (١). ومعناه: القيام.

وقال محيي الدين النووي: وفي هذه المسألة ثلاثة مذاهب:

أحدها: أن تطويل السجود وتكثير الركوع والسجود أفضل، حكاه الترمذي والبغوي عن جماعة، وممن قال بتفصيل تطويل السجود: ابن عمر - رضي الله عنهما -.

والمذهب الثاني: مذهب الشافعي وجماعة أن تطويل القيام أفضل؛ لما ذكرنا.


(١) "صحيح مسلم" (١/ ٥٢٠ رقم ٧٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>