للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتقرير الجواب أن يقال: ليس في الحديث ما يدل على أن تلك الصلاة التي خرج إليها رسول الله - عليه السلام - بعد كشف الستارة هي الصلاة التي توفي رسول الله - عليه السلام - عقيبها، وليس فيه أيضًا أن مرضته الستلا تلك هي المرضة التي توفي فيها رسول الله - عليه السلام -، ولكن يحتمل أن تكون هي الصلاة التي توفي عقبها، ويحتمل أن لا يكون ذلك، بل قد صح بعدها - عليه السلام -، فإن كانت هي الصلاة التي توفي عقبها، فقد يحتمل أن يكون قوله {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} نزل عليه بعد ذلك قبل وفاته، وإن كانت تلك الصلاة متقدمة فبالطريق الأولى أن يكون ذلك. فعلى كلا التقديرين يثبت النسخ، والله أعلم.

وقد شنع البيهقي في كتابه "المعرفة" (١) في هذا المقام على الطحاوي، وقال: روى الطحاوي ما روينا ها هنا، وفي كتاب "السنن" من الأحاديث فيما يقال في الركوع والسجود، ثم ادعي نسخها بحديث عقبة بن عامر الجهني؛ فكأنه عرض بقلبه حديث سليمان بن سحيم بإسناده عن ابن عباس، في الأمر بالدعاء في السجود، وأن ذلك كان من النبي - عليه السلام - مرض موته حين كشف الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر - رضي الله عنه - فقال: "إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم، أو ترى له" ثم ذكر ما روينا في إسناد الشافعي، فتحير في الجواب عنه، فأتى بكلام بارد، فقال: يجوز أن تكون {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} (٢) نزلت عليه بعد ذلك قبل وفاته، ولم يعلم أن هذا القول صدر من النبي - عليه السلام - غداة يوم الاثنين، والناس صفوف خلف أبي بكر - رضي الله عنه - في صلاة الصبح، كما دل عليه حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - (٣)، وهو اليوم الذي توفي فيه، وقد روينا في الحديث الثابت (٤): عن النعمان بن بشير: "أن النبي - عليه السلام - كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك


(١) "معرفة السنن والآثار" (١/ ٥٦٨).
(٢) سورة الأعلى.
(٣) "أخرجه مسلم" (١/ ٣١٥ رقم ٤١٩).
(٤) أخرجه مسلم (٢/ ٥٩٨ رقم ٨٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>