قضية حديث ابن عباس بعينها هي ابن حديث أنس، فلم لا يجوز أن يكون حديث ابن عباس قبل ذلك بزمان، فما المانع من ذلك وكلام الطحاوي مبني على هذا الاحتمال، ثم روايته عن النعمان بن بشير وغيره مما يدل على أن سبح اسم ربك الأعلى، وسبح اسم ربك العظيم، قد نزلتا قبل ذلك بزمان لا يضر الطحاوي، ولا ينافي كلامه؛ لأن حديث ابن عباس إذا كان محتملًا أن يكون قبل حديث أنس، يكون محتملًا أيضًا أن يكون قبله بزمان طويل، فحينئذ يكون نزول الآيتين بعد حديثه قبل وفاته - عليه السلام - بمدة طويلة.
فإن قيل: سلمنا ما ذكرت هذا, ولكن ما تقول في قوله:"ومشهور بين أهل التفسير أن سورة سبح اسم ربك الأعلى، وسورة الواقعة والحاقة اللتين فيهما قوله:{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} نزلن بمكة، فإذا كان كذلك يكون نزول هاتين الآيتين قديمًا، ولا شك أن حديث ابن عباس مدني، فكيف يكون منسوخًا بنص متقدم قبله بدهر طويل؟
قلت: يجوز أن تكون السور المذكورة مكية والآيتين مدنيتين، أو يكون الناسخ لذلك هو قوله - عليه السلام -: اجعلوها في ركوعكم واجعلوها في سجودكم, لا نفس الآيتين المتقدمتين في النزول.
فإن قيل: قوله - عليه السلام -: "اجعلوها في ركوعكم واجعلوها في سجودكم" إنما كان عند نزول الآيتين فيكون هذا أيضًا متقدمًا.
قلت: يمكن أن يكون قوله - عليه السلام - ذلك بعد نزول الآيتين بزمان، بل الظاهر هذا أنه بعد نزولهما بمدة، والدليل عليه أن عقبة بن عامر الجهني راوي هذا الحديث أسلم بالمدينة، والآيتان على ما قال البيهقي: مكيتان، فكيف يكون قوله - عليه السلام - ذلك حين نزول الآيتين؟ وكيف تصح أخبار عقبة بذلك والحال أنه لم يكن حاضرًا وقت نزول الآيتين، ولا كان مسلمًا حينئذٍ؟! فعلمنا أن قوله - عليه السلام - بذلك كان متأخرًا حتى أخبر به عقبة، فإذا كان متأخرًا يكون ناسخًا لما كان من فعله - عليه السلام - مما كان يدعو به في