للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ص: فهذا وجه هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار، وأما وجه ذلك من طريق النظر: فإنا قد رأينا مواضع في الصلاة فيها ذكر، فمن ذلك التكبير للدخول في الصلاة، ومن ذلك التكبر للركوع والسجود والقيام من القعود، فكان ذلك التكبير تكبيرًا قد وقف العباد عليه وعلموه، ولم يجعل لهم أن يجاوزوه بلى غيره، ومن ذلك ما يشهدون به في القعود، فقد علموه ووقفوا عليه ولم يجعل لهم أن يأتوا مكانه بذكر غيره؛ لأن رجلًا لو قال مكان قوله: الله أكبر: الله أعظم أو الله أجل. كان في ذلك مسيئًا، ولو تشهد رجل بلفظ مخالف للفظ التشهد الذي جاءت به الآثار عن رسول الله - عليه السلام - وأصحابه كان في ذلك مسيئًا، وكان بعد فراغه من التشهد الأخير قد أبيح له من الدعاء ما أحب، فقيل له فيما روى ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ثم ليتخير من الدعاء ما أحب"، فكان قد وقف في كل ذكر على ذكر بعينه ولم يجعل له مجاوزته بلى ما أحب، إلا ما وقف عليه من ذلك، وإن استوى ذلك في المعنى، فلما كان في الركوع والسجود قد أجمع على أن فيهما ذكرًا، ولم يجمع أنه أبيح له فيهما كل الذكر، كان النظر على ذلك أن يكون ذلك الذكر كسائر الذكر في صلاته من تكبيره، وتشهده، وقوله: سمع الله لمن حمده، وقول المأموم: ربنا ولك الحمد، ويكون ذلك قولًا خاصًّا لا ينبغي لأحد مجاوزته إلى غيره، كما لا ينبغي له في سائر الذكر الذي في الصلاة، ولا يكون له مجاوزة ذلك إلى غيره إلا بتوقيف من الرسول - عليه السلام -، له على ذلك؛ فثبت بذلك قول الذين وقتوا في ذلك ذكرًا خاصًّا وهم الذين ذهبوا بلى حديث عقبة - رضي الله عنه - ما فصل فيه من القول في الركوع والسجود، وهذا قول أبي حنيفة وأي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: خلاص هذا أن الصلاة فيها أذكار متعينة لم يُجعل للمصلي أن يتعداها إلى غيرها، كتكبيرة الافتتاح، وتكبيرة الركوع والسجود، والتشهد؛ فإن هذه أذكار متعينة، حترل لو أقول بذكر يشابه واحدًا من ذلك في معناه، يكون مسيئًا وإن كان لا تفسد به صلاته، وفيها ذكر غير متعين كالأدعية بعد الفراغ من التشهد الأخير، بتخيير له من الشارع بقوله: "ثم ليتخير من الدعاء ما أحب". ولما كان الإجماع على

<<  <  ج: ص:  >  >>