فإن قلت: قوله: "صلاة". مفرد مقابل المثنى والمجموع، وهو يدل على الوحدة، والاستغراق يدل على الكثرة، فالجمع بينهما جمع بين المتنافيين.
قلت: لا تنافي بين الاستغراق وإفراد الاسم؛ لأن "لا" التي لنفي الجنس إنما تدخل على الاسم المفرد حال كونه مجردا عن إرادة معنى الوحدة والكثرة؛ لأن دلالة اللفظ على المعنى منوطة بالإرادة الجارية على قانون الوضع، وإنما يلزم التنافي لو لم تجرد عن معنى الوحدة وأدخل عليه "لا" وكذلك الجواب في "لام" الاستغراق، ولأن معنى قولنا:"لا صلاة" كل فرد من أفراد الصلاة، لا مجموع الصلاة من حيث هو مجموع، والذي ينافي الإفراد والوحدة هو الثاني، كما في قولك: لا رجل في الدار. كل فرد من أفراد الرجال لا مجموع الرجال.
وقوله:"لا وضوء له" يتناول الوضوء الضمني أيضًا، أعني الوضوء الذي يوجد في الاغتسال، بأن اغتسل ولم يتوضأ، ويتناول خلفه الذي هو التيمم؛ لأنه طهارة في حق عادم الماء.
قوله:"ولا وضوء" عطف على قوله: "لا صلاة".
فإن قيل: إذا كان "ولا وضوء" عطف على "لا صلاة" كان ينبغي ألَّا يجوز الوضوء بدون ذكر الله كما لا تجوز الصلاة بدون الوضوء.
قلت: نعم، ظاهر الكلام يقتضي ذلك، كما ذهب إليه جماعة، ولكن خرج هذا عن ذلك الحكم بدليل آخر سنذكره عن قريب إن شاء الله تعالى.
واستنبط منه أحكام:
الأول: احتجت به جماعة على فرضية التسمية في الوضوء على ما يجيء مفصلا.
والثاني: قوله: "اسم الله" يتناوله كل اسم -يعني من أسماء الذات والصفات- فظاهره يدل على أنه إذا ذكر الله على الوضوء مطلقا يكون أتي بالوجوب عند من يرى الوجوب، وبالسُّنة عند من يرى التسمية سُنة.