قرأت التشهد وأنت قاعد؛ لأن قراءة التشهد في غير الصلاة لم تشرع، ولم تعتبر أو قعدت ولم تقل، فيكون التخيير في القول لا في الفعل؛ إذ الفعل ثابت في الحالين، وكل منهما لا يدل على وجوب الصلاة عليه - عليه السلام -.
وأيضًا أنه - عليه السلام - علّم التشهد لعبد الله بن مسعود، ثم أمر عقيبه أن يتخير من الدعاء ما يشاء، ولم يعلم الصلاة عليه، ولو كانت فرضًا لعلمه؛ إذ موضع التعليم لا يؤخر فيه بيان الواجب، وأيضًا لما علم الأعرابي أركان الصلاة لم يعلمه الصلاة عليه، ولو كانت فرضًا لعلمه إياها، وكذا لم ترد في تشهد أحد من الصحابة - رضي الله عنهم -، ومن أوجبها فقد خالف الآثار. وقالت جماعة من أهل العلم: إن الشافعي خالف الإجماع في هذه المسألة، وليس له سلف يقتدي به، منهم ابن المنذر وابن جرير الطبري، والطحاوي، وهو يستدل بقوله تعالى:{صَلُّوا عَلَيْهِ}(١) والأمر للوجوب، فلا تجب خارج الصلاة فتعينت الصلاة، وليس في الآية دلالة على ما قال؛ لأن الأمر لا يقتضي التكرار، بل يجب في العمر مرة؛ كما اختاره الكرخي، أو كلما ذكر اسم النبي - عليه السلام - كما اختاره الطحاوي - رحمه الله -.
الثاني: أنه ينافي فرضية السلام في الصلاة؛ لأنه - عليه السلام - خير المصلي بعد القعود بقوله:"إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد"، وهو حجة على الشافعي أيضًا حيث فرض السلام.
الثالث: احتج به أصحابنا على فرضية القعدة الأخيرة؛ وذلك لأنه - عليه السلام - علق تمام الصلاة بالقعود، وما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، وهو حجة على مالك حيث لم يفترض القعدة الأخيرة.
فإن قيل:"أو" الأحد الشيئين، وليس فيه دلالة على ما ادعيتم؟
قلت: جوابه ما ذكرنا من قولنا: وحاصل المعنى ... إلى آخره.