ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فكان تصحيح معاني الآثار في هذا الباب يوجب ما ذهب إليه الذين قالوا: لا تتم الصلاة حتى يقعد فيها مقدار التشهد. لأن حديث علي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد احتمل ما ذكرنا، واختلف في حديث عبد الله بن عمرو عن النبي - عليه السلام -على ما وصفنا, ولم يبق إلا حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - وهو الذي يختلف فيه.
ش: أراد أن الآثار التي ذكرت في هذا الباب إذا نُظر فيها وصحح معانيها ظهر أن الذي ذهب إليه من قال: لا تتم الصلاة إلا بالقعود مقدار التشهد هو الصحيح، وهو مذهب أبي حنيفة ومن تبعه في ذلك؛ وذلك لأن حديث علي - رضي الله عنه - الذي رواه محمد بن الحنفية عنه عن النبي - عليه السلام - قد بينا أنه لا يصلح أن يكون دليلا على أن يكون تمام الصلاة بالسلام، ولا لفرضية السلام.
وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص قد بينا أنه مضطرب مختلف فيه، ولم يبق من ذلك سالمًا إلا حديث عبد الله بن مسعود الذي لم يختلف فيه، والاحتمال ينافيه؛ فحينئذ ثبت به قول من ذهب إلى أن الصلاة لا تتم إلا بالقعود قدر التشهد، وأنها تتم بدون السلام.
ص: وأما وجه ذلك من طريق النظر؛ فإن الذين قالوا: إنه إذا رفع رأسه من آخر سجدة من صلاته فقد تمت صلاته، قالوا: إنا رأينا هذا القعود قعودا للتشهد، وفيه ذكر يُتَشَهَّد به، وتسليم يُخْرج به من الصلاة، وقد رأينا قبله في الصلاة قعودًا فيه ذكر يُتَشَهَّد به، فكل قد أجمع أن ذلك القعود الأول وما فيه من الذكر ليس هو من صلب الصلاة بل هو من سننها.
ثم اختلفوا في القعود الأخير، فالنظر على ما ذكرنا أن يكون كالقعود الأول ويكون ما فيه كما في القعود الأول فيكون سنة، وكل ما يفعل فيه سنة كما كان القعود الأول سنة وكل ما يفعل فيه سنة، وقد رأينا القيام الذي في كل الصلاة، والركوع، والسجود