حدثنا يونس، قال: ثنا سفيان، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوب -قال: ولم يذكر النبي - عليه السلام - قال:"الوتر حق -أو واجب- فمن شاء أوتر بسبع، ومن شاء بخمس، ومن شاء بثلاث، ومن شاء بواحدةٍ، ومَنْ غُلب إلى أن يُوم فليومِ".
فأخبر في هذا الحديث أنهم كانوا مخيرين في أن يوتروا بما أحبوا لا وقت في ذلك ولا عدد بعد أن يكون ما صلّوا وترًا، وقد أجمعت الأمة بعد رسول الله - عليه السلام - على خلاف ذلك وأَوْتروا وترًا لا يجوز لكل مَنْ أوتر عنده ترك شيء منه، فدلَّ إجماعهم على نسخ ما قد تقدمه من قول رسول الله؛ لأن الله تعالى لم يكن ليجْمَعَهُم على ضلال.
ش: لما أجاب عن حديث أم سلمة المذكور آنفا بأنه يجوز أن يكون هذا قبل أن يحكم بالوتر ... إلى آخره شرع يبُين ذلك، أي: قد روي عن أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري ما يَدُلّ على أن الوتر كان بلا عدد معلوم قبل إحكام أمره، وأنهم كانوا مخيرّين في عدده كما ذكرناه، أشار إليه بقوله:"فأخبر في هذا الحديث" أي حديث أبي أيوب الأنصاري "أنهم" أي الصحابة - رضي الله عنهم - "كانوا مخيرين في أن يوتروا بما أحبوا" من سبع أو خمس أو ثلاث "لا وقت في ذلك" أي لا تعيين فيه "ولا عدد" معلومًا غير أن لا بد أن يكون وترًا، "وقد أجمعت الأمة بعد النبي - عليه السلام - على خلاف ذلك" أي على خلاف الخيار المذكور، وإنما عَيّن كل منهم وترًا لا يجوز العدول عنه إلى وتر غيره، مثلًا من اختار الوتر بثلاث لم يجوزه بواحدة، ومن اختار الوتر بواحدة لم يجوز الثلاث بتسليمة وقعدتين، ومن اختار الخمس لم يجوز السبع، ومن اختار السبع لم يجوز الخمس، وعلى هذا، غير أنهم كلهم اتفقوا على ترك الخيار وأجمعوا على انتساخ ما كان من قوله - عليه السلام -: "من شاء فليوتر بخمس، ومن شاء فليوتر بثلاث، ومن شاء فليوتر بواحدة"، وإجماع الأمة من أقوى الحجج؛ لأن أمته لا تجتمع على الضلالة، وقد ذكرنا ما فيه من السؤال والجواب عن قريب؛ فليعاود إليه.