موضعه إن شاء الله تعالى. ومن ذلك العتاق له أصل في الفرض وهو ما فرض الله -عز وجل- في الكتاب من الكفارات والقضاء، فكانت هذه الأشياء متطوَّع بها ولها أصل في الفرض، فلم نر شيئًا يُتطوع به، إلا وله أصل في الفرض، فقد رأينا أشياء هي فرض ولا يجوز أن يتطوَّع بها، مثل الصلاة على الجنازة هي فرض ولا يجوز أن يتطوع بها، ولا يجوز لأحد أن يصلي على ميِّت مرتين يتطوع بالآخرة منهما، فكأن الفرض قد يكون في شيء ولا يجوز أن يتطوع بمثله، ولم نر شيئًا يُتطوع به إلا وله مثل في الفرض منه أُخذ، وكان الوتر مُتطوَّع به فلم يجز أن يكون كذلك إلا وله مثل في الفرض، والفرض لم نجد فيه وترًا إلا ثلاثًا؛ فثبت بذلك أن الوتر ثلاث. هذا هو النظر، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن رحمهم الله.
ش: ملخصه أنه بنى ذلك على مقدمة مانعة الخلوّ، وهي: أن الوتر إما فرض وإما سنة، فإن كان فرضًا فلابد أن يكون مثل فرض من الصلوات، وهي إما ركعتان كالصبح أو أربع كالظهر والعصر والعشاء، أو ثلاث كالمغرب، وكلهم أجمعوا على أن الوتر لا يكون ركعتين ولا أربعًا؛ فثبت بذلك أن يكون ثلاثًا كالمغرب، وإن كان سنة فليس شيء في السنن إلا وله مثل في الفرض، والفرض قد يكون في شيء لا يجوز أن يتطوع بمثله، وليس شيء يتطوع به إلا وله مثل في الفرض، فالوتر يُتطوع به فلا يجوز أن يكون إلا وله مثل في الفرض، والفرض ليس فيه وتر إلا ثلاث؛ فيجب أن يكون الوتر ثلاثًا. فافهم، والباقي غني عن الشرح.
قوله:"ولا يجوز لأحد أن يصلي على ميِّت مرتين ... " إلى آخره، أراد به إذا تطوع بالصلاة الثانية، أما إذا صلى ثانية على أنها فرض كما هو عند قوم، فإن ذلك يجوز؛ لأن تكرار الصلاة على الجنازة مشروع عندهم.
ص: وقد روي في ذلك عن أصحاب النبي - عليه السلام - ما قد حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه (ح).
وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا رَوْحُ بن عُبَادة، قال: ثنا مالك، عن محمَّد بن يوسف، عن السائب بن يزيد قال: "أمر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أبي بن كعب