للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتره ثم أوتر بركعة، فيكون المجموع ثلاث ركعات كما هو كذلك في فعل عثمان - رضي الله عنه -، ولكن حديث عمرو بن مرة ينافي ما ذكرتم من هذا الكلام؛ لأنه قال: "صلى بنا، فلما انصرف جاء فصلى ركعة"، وليس ها هنا شيء قبل صلاته بركعة.

وتقرير الجواب أن يقال: قد يجوز أن يكون ذلك الانصراف انصرافًا إلى منزله فلما انصرف إلى منزله صلى هناك شفعه ثم لما جاء صلى ركعة، وقد صحح هذا التأويل بما أخرجه عن أبي أمية محمَّد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي، عن عبد الوهاب بن عطاء الخفاف أبي نصر العجلي روى له الجماعة البخاري في غير "الصحيح"، عن داود بن أبي هند دينار البصري روى له الجماعة البخاري مستشهدًا، عن عامر بن شراحيل الشعبي.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (١): ثنا عبد الأعلى، عن داود، عن الشعبي قال: "كان آل سعد وآل عبد الله بن عمر - رضي الله عنهم - يسلِّمون في ركعتي الوتر، ويوترون بركعة" انتهى.

فهذا الشعبي قد بين في هذا الحديث أن مذهب آل سعد إنما هو وتر بعد شفع، قد فصلوا بينهما وبينه بتسليم، وآل سعد إنما أخذوا هذا من سعد؛ فإنهم مقتدون به ومتبعون لفعله، وأن وترهم الذي كان ركعة ركعة إنما هو وتر صادر بعد صلاة قد فصلوا بينه وبينها بتسليم، فإذا كان كذلك عاد معناه إلى قول من يقول: إن الوتر ثلاث ركعات.

قوله: "وقد حدثنا أبو بكرة ... " إلى آخره، جواب آخر، تقريره: أن عبد الله ابن مسعود - رضي الله عنه - عاب على سعد - رضي الله عنه - إيتاره بركعة واحدة، ولم يكن ذلك إلا لمعنى قد ثبت عند عبد الله أنه هو الأولى من فعل سعدث إذ لو لم يكن كذلك لاستحال على عبد الله أن يعيب على سعد فعله ذلك مع نبالة سعد وعلمه وجلالة قدره؛ فدل ذلك أن سعدًا إنما فعل ذلك برأيه واجتهاده، ألا تروى إلى ما قال سعد لما قيل له:


(١) "مصنف ابن أبي شيبة" (٧/ ٣١٣ رقم ٣٦٤١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>