للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيصلي بهم بقية الصلاة وينصرفون إلى وجه العدو، وتعود الطائفة الأولى فيقضون بقية صلاتهم بغير قراءة وينصرفون إلى وجه العدو، ثم تعود الطائفة الثانية فيقضون بقية صلاتهم بقراءة، ورويت هذه الصورة عن سفيان الثوري أيضًا.

وقال أبو بكر الجصاص -رحمه الله-: أشد الأقاويل موافقة لظاهر الآية قول أبي حنيفة ومحمد؛ وذلك لأنه تعالى قال: {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} (١)، وجائز أن يكون مراده الطائفة التي بإزاء العدو، وجائز أن يريد به الطائفة المصلية والأولى أن تكون الطائفة التي بإزاء العدو؛ لأنها تحرس هذه المصلية، وقد عُقل من ذلك أنهم لا يكونون جميعًا مع الإِمام؛ لأنهم لو كانوا مع الإِمام لما كانت طائفة منهم قائمةً مع النبي - عليه السلام -، بل يكونون جميعًا معه وذلك خلاف الآية، ثم قال: وقولنا موافق السنة الثابتة من النبي - عليه السلام - والأصول؛ وذلك لأن النبي - عليه السلام - قال (٢): "إنما جعل الإِمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا"، وقال (٣): "إني امرؤ قد بدَّنتُ، فلا تبادروني بالركوع ولا السجود".

ومن مذهب المخالف: أن الطائفة الأولى تقضي صلاتها وتخرج منها قبل الإِمام، وفي الأصول أن المأموم مأمور بمتابعة الإِمام لا يجوز الخروج منها قبله، وأيضًا جائز أن يلحق الإِمام سهو وسهوه يلزم المأموم ولا يكون للخارجين من صلاته قبل فراغه إن سجدوا، ويخالف هذا القول الأصول من جهة أخرى وهي اشتغال المأموم بقضاء صلاته والإمام قائم أو جالس تارك لأفعال الصلاة فتحصل، مخالفة الإِمام في النفل وترك الإِمام لأفعال الصلاة لأجل المأموم وذلك ينافي معنى الاقتداء والائتمام، ومنع الإِمام من الاشتغال بالصلاة لأجل المأموم، وهذان وجهان أيضًا خارجان من الأصول.


(١) سورة النساء، آية: [١٠٢].
(٢) متفق عليه من حديث أنس - رضي الله عنه -، والبخاري (١/ ١٤٩ رقم ٣٧١)، ومسلم (١/ ٣٠٨ رقم ٤١١).
(٣) "صحيح ابن خزيمة" (٣/ ١٤٤ رقم ١٥٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>