للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: جائز أن تكون صلاة الخوف مخصوصًا بجواز انصراف الطائفة الأولى قبل الإِمام كما جاز المشي فيها.

قيل له: المشي له نظير في الأصول، وهو الراكب المنهزم يصلي وهو سائر بالاتفاق، وأيضًا قد ثبت عندنا أن الذي سبقه الحدث في الصلاة فينصرف ويتوضأ ويبني، وقد وردت السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رواه ابن عباس (١) وعائشة (٢) - رضي الله عنهم - أن النبي - عليه السلام - قال: "من قاء أو رعف في صلاته فلينصرف وليتوضأ، وليبن على ما مضى من صلاته"، والرجل يركع ويمشي إلى الصف ولا تبطل صلاته، وركع أبو بكر - رضي الله عنه - حتى دخل المسجد ومشى إلى الصف فلما فرغ النبي - عليه السلام - قال له: "زادك الله حرصًا ولا تعد" (٣) ولم يأمره باستئناف الصلاة، فكان للمشي في الصلاة نظائر في الأصول، وليس في الخروج من الصلاة قبل فراغ الإِمام نظير فلم يجز فعله.

وأيضًا فإن المشي فيها اتفاق بيننا وبين مالك والشافعي، ولما قامت به الدلالة سلمناه لهما، وما عدا ذلك فواجب حمله على موافقه الأصول وحتى تقوم الدلالة على جواز خروجه عنها.

ص: وذهب آخرون في ذلك إلى ما حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن يزيد بن رومان، عن صالح بن خوات، عن مَن صلى مع النبي - عليه السلام - يوم ذات الرقاع صلاة الخوف: "أن طائفة صَفّت معه وطائفة وجاه العدو، فصلى بالدين معه ركعة ثم ثبت قائمًا وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا، فصفوا وجاه العدو، ثم جاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسًا وأتموا لأنفسهم ثم سلَّم بهم".


(١) "سنن الدارقطني" (١/ ١٥٦ رقم ٢٥).
(٢) "سنن ابن ماجه" (١/ ٣٨٥ رقم ١٢٢١).
(٣) أخرجه البخاري في "صحيحه" (١/ ٢٧١ رقم ٧٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>