للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العدو، ويفتتح الصلاة بطائفة فيصلي بهم ركعةً إن كان مسافرًا أو كانت صلاة الصبح، وركعتين إن كان مقيمًا والصلاة من ذوات الأربع، وينصرفون إلى وجه العدو، ثم تأتي الطائفة الثانية فيصلي بهم بقية الصلاة وينصرفون إلى وجه العدو، وتعود الطائفة الأولى فيقضون بقية صلاتهم بغير قراءة وينصرفون إلى وجه العدو، ثم تعود الطائفة الثانية فيقضون بقية صلاتهم بقراءة.

وإنما فصَّل أبو يوسف بهذا التفصيل؛ لأن في حديث أبي عياش أنهم -أي العدو- كانوا في القبلة؛ لأنه قال فيه: "والمشركون بينه وبين القبلة"، وأما في حديث ابن عمر وحذيفة وزيد - رضي الله عنهم - فلم يذكر شيء من ذلك، غير أنه قد روي عن عبد الله بن مسعود في ذلك ما يُوافق ما رَوَوْا، وقال في روايته: "كان العَدّو في غير القبلة"، وهو صَرّح بأنهم لم يكونوا في القبلة، وهو خلاف ما روي في حديث أبي عياش وجابر - رضي الله عنهما -، فإذا وقع خلاف بين الروايتين، الأصل فيه التوفيق ما أمكن وإليه أشار أبو يوسف بقوله: "فَأُصَحِّح الحديثين، فأجعل حديث ابن مسعود ... " إلى آخره، وأراد بتصحيح الحديثين العمل بهما بالتوفيق بينهما؛ وذلك أنه حمل حديث ابن مسعود وما يوافقه من أحاديث ابن عمر وحذيفة وزيد بن ثابت على ما إذا كان العدو في غير القبلة وحمل حديث أبي عياش الزرقي وجابر على ظاهره على ما إذا كان العدو في القبلة، وبهذا التصحيح يكون العمل بالحديثين، بخلاف ما إذا عمل بأحدهما حيث يلزم الإهمال للآخر.

ولما كان ها هنا سؤال وهو أن يقال: إن ما ذكرتم خلاف لما في الآية، فلا يجوز العمل بخبر يخالف ظاهره ظاهر القرآن.

أجاب عنه بقوله: "وليس هذا بخلاف التنزيل عندنا". وتقريره أن يقال: لا نسلم أن ما في حديث أبي عياش وجابر يخالف ظاهر الآية؛ لأنه قد يجوز أن يكون قوله تعالى: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا} (١) إذا كان العدو


(١) سورة النساء، آية: [١٠٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>