للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأولى أن لا يستدبروها إذا كانوا في وجوههم، ولكن المذكور عنه من ترك الاستدبار هو ما إذا كان العدو في القبلة.

قوله: "ويحتمل أيضًا ... " إلى آخره، إشاره إلى توجيه آخر لذهاب ابن عباس برأيه إلى ما في حديث أبي عياش الزرقي، بيان ذلك أن يقال: يحتمل أن يكون ذهاب ابن عباس إلى ما في حديث أبي عياش الزرقي سواء كان العدو في القبلة أو غيرها، كما ذهب إليه عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري، فحينئذٍ يكون قوله بخلاف ما روى عنه عبيد الله عن النبي - عليه السلام - إذا كان العدو في القبلة، ولكن لا يمكن أن نقول ذلك إلا بعد ثبوت نسخ ما تقدم ذلك عنده -أي عند ابن عباس- ولا نعلم نسخ ذلك عنده إذا كان العدو في غير القبلة، فإذا كان كذلك حملنا قوله من رأيه على ما إذا كان العدو في القبلة، وتركنا روايته عن النبي - عليه السلام - التي رواها عنه عبيد الله بن عبد الله على مثل ما روى إذا كان العدو في غير القبلة، فافهم فإنه موضع دقيق مأخذه.

ص: وقد كان أبو يوسف -رحمه الله- قال مرةً: لا تُصلَّى صلاةُ خوف بعد النبي - عليه السلام -، وزعم أن الناس إنما صلّوْها لفضل الصلاة معه، وهذا القول عندنا ليس بشيء؛ لأن أصحاب النبي - عليه السلام - قد صلوها بعده، قد صلاها حذيفة بطبرستان، وما في ذلك فأشهر من أن نحتاج إلى نذكره ها هنا.

فإن احتج في ذلك بقوله: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} (١) الآية، فقال: إنما أمر بذلك إذا كان فيهم، فإذا لم يكن فيهم انقطع ما أمر به من ذلك.

قيل له: فقد قال -عز وجل-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} (٢) الآية. فكان الخطاب ها هنا له - صلى الله عليه وسلم -، وقد أُجمع أن ذلك معمول به بعده كما كان يُعمل به في حياته.


(١) سورة النساء، آية: [١٠٢].
(٢) سورة التوبة، آية: [١٠٣].

<<  <  ج: ص:  >  >>