أساء في تركه الخطبة، فكانت بخطبة العيدين أشبه منها بحكم خطبة الجمعة، فالنظر على ذلك أن يكون موضعها من صلاة الاستسقاء مثل موضعها من صلاة العيدين، فدلَّ ذلك أنها بعد الصلاة لا قبلها، وهذا مذهب أبي يوسف -رحمه الله-.
ش: أي قد روي الاستسقاء عن النبي - عليه السلام - أيضًا من غير وجه واحد، أراد أنه روي على وجوه متعددة، ولما كان المذكور في الرواية السابقة عدم الخطبة؛ شرع يذكر ها هنا أحاديث تُصرِّحُ بأنه - عليه السلام - خطبَ فيه، فثبت بذلك أن في الاستسقاء خطبة، ولكن اختُلف في الروايات في وقت الخطبة، ففي حديث عائشة وعبد الله ابن زيد الأنصاري أنه خطب قبل الصلاة، وفي حديث أبي هريرة أنه خطب بعد الصلاة، وتعلق بكل منهما قوم، فذهب أبان بن عثمان، وهشام بن إسماعيل، وأبو بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم، والليث بن سعد، وابن المنذر إلى حديث عائشة وعبد الله بن زيد، ويُروى ذلك عن عمر وعبد الله بن الزبير - رضي الله عنهم -.
وذهب جمهور الفقهاء من التابعين ومن بعدهم إلى أنها بعد الصلاة، وتعلقوا بحديث أبي هريرة، وبه قال مالك، والشافعي، وأحمد، وأبو يوسف، وإليه أشار الطحاوي بقوله: وهذا مذهب أبي يوسف ولم يذكر محمدًا معه، وفي غالب فروع الحنفية محمدٌ مذكور مع أبي يوسف، ولكن المرجع إلى قول الطحاوي، فإنه أعلم الناس بمذاهب العلماء.
ثم إن الطحاوي قد رجَّح قَولَ مَنْ يقول بأنها بعد الصلاة بوجه النظر والقياس، وهو أن خطبة الاستسقاء أشبه بخطبة العيدين من خطبة الجمعة؛ لأن الخطبة في العيدين سنة حتى إنها لو تُركت لم تَضُرّ الصلاة، فكذلك خطبة الاستسقاء، حتى إن الإِمام إذا صلى صلاة الاستسقاء من غير الخطبة جاز ولكنه أساء لتركه السنة، بخلاف صلاة الجمعة، فإن الخطبة فيها فرض لأنها إنما شطرت لمكان الخطبة، حتى لو تركها لم تصح صلاة الجمعة، وهو معنى قوله:"وصلاة الجمعة بها مُضمّنَة" بفتح الميم الثانية "لا تجزئ" أي الجمعة "إلا بإصابتها" أي بإصابة الخطبة. هدًا ما ذكره. ولو قيل بأنه