للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالعسل، فإن قيل: سلمنا أن خبر الواحد يصحّ به بيان مجمل الكتاب، ولكن لا نسلّم أن آية الوضوء فيها إجمال؛ لأن بيان المُجْمَل: ما لا يدرك بيانه إلَّا من جهة المُجْمِل، ونحن لا نحتاج إلى البيان إذا قلنا بالاستيعاب كما قال مالك، أو بأقل ما ينطلق عليه المسح كما قال الشافعي؛ لأن في الأول عملًا بالأقاويل كلها، وفي الثاني عملًا بالمتيقن.

قلت: الأول: إنما يكون عملًا بالأقاويل إذا كان الاستيعاب فرضًا عند الكل، وليس بفرض عند الكل، ولهذا قال أحمد: ومن يمكنه أن يأتي على الرأس كله؟! فحينئذ ينفي الإجمال، والثاني: إنما يكون عملًا بالمتيقن إذا كان ذلك الأقل معتبرًا، وقد يحصل بغسل الوجه ولا اعتبار له فيبقى الإجمال أيضًا، وأما وجه التقدير بالناصية، فلأن مسح جميع الرأس ليس بمراد بالإجماع؛ لأن عند مالك لو مسح جميع الرأس إلَّا قليلًا منه جاز، فلا يمكن حمل الآية على جميع الرأس، ولا على بعض مطلق، وهو أدنى ما ينطلق عليه الاسم كما قال الشافعي؛ لأن ماسح شعره أو ثلاث شعرات لا يُسّمي ماسحًا في العرف، فلا بد من الحمل على مقدار يسمى المسح عليه مسحًا في التعارف، وذلك غير معلوم، فصار فعله - عليه السلام - حديث المغيرة بيانًا لمجمل الكتاب؛ إِذْ البيان يكون تارة بالقول وتارة بالفعل، كفعله في هيئة الصلاة، وعدد ركعاتها، وفعله في مناسك الحج، وغير ذلك، فكان المراد من المسح بالرأس مقدار الناصية ببيان النبي - عليه السلام -فإن قيل: أليس -أي في التميم- حكم المسح ثبت بقوله: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} (١) ثم الاستيعاب فيه شرط، قلت: أمَّا على رواية الحسن، عن أبي حنيفة لا يشترط فيه الاستيعاب، لهذا المعنى الذي ذكرناه، وأما على ظاهر الرواية فإنما عرفنا الاستيعاب هناك إما بإشارة الكتاب وهو أن الله تعالى أقام التيمم في هذين العضوين مقام الغسل عند تعذر الغسل، والاستيعاب في الغسل فرض بالنص، فكذا فيما قام مقامه، أو عرفنا ذلك بالسنة، وهو قوله: - عليه السلام - لعمار: "يكفيك ضربتان ضربة للوجه، وضربة للذراعين".


(١) سورة المائدة، آية: [٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>