ش: أي: وكان من الدليل والبرهان للآخرين فيما ذهبوا إليه "أنه" أي أن الشأن "قد يجوز أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر سليكًا الغطفاني بما أمره به" أي بالذي أمره به "من ذلك" أي من أن يصلي ركعتين خفيفتين.
تقرير هذا الجواب: أن حديث سُليك يحتمل ثلاث معانٍ:
الأول: يحتمل أن يكون أمره إياه بذلك بعد قطع خطبته لإرادة تعليمه الناسَ كيف يفعلون إذا دخلوا المسجد، ثم استأنف الخطبة بعد ذلك.
الثاني: يحتمل أن يكون بني على خطبته ولم يستأنفها والحال أن ذلك كان منه قبل أن ينسخ الكلام في الصلاة، ثم لما نسخ في الصلاة نسخ أيضًا في الخطبة؛ لأنها شطر صلاة الجمعة وشرطها.
الثالث: يحتمل أن يكون ما أمر به النبي - عليه السلام - سُليكًا من الصلاة بركعتين كما قال أهل المقالة الأولى، ويكون سنةً معمولًا بها.
وإذا احتمل هذا الحديث هذه الاحتمالات نحتاج أن ننظر، هل ورد شيءٌ يبيّن أن المراد أحد الاحتمالات المذكورة؟ وهل ورد شيء يخالف صريحًا حديث سليك المذكور؟
فنظرنا في ذلك فوجدنا حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - المذكور عن قريب الذي احتج به أهل المقالة الأولى يبيّن الاحتمال الثاني ويؤكده؛ لأنه ذكر فيه أن رسول الله - عليه السلام - قال للناس:"تصدقوا" فألقوا ثيابهم، وقد أجمع المسلمون أن نزع الرجل ثوبه في حال خطبة الإِمام مكروه، وكذلك مسَّه الحصى، وقوله لصاحبه: أنصت، فدل ذلك على أن أمر النبي - عليه السلام - سليكًا بما أمره به إنما كان ذلك في حال إباحة الكلام وسائر الأفعال في الخطبة، ثم لما حرم الكلام وغيره فيها منع من الصلاة أيضًا على ما يجيء إن شاء الله تعالى.
وقد قال بعضهم: إنما كان ذلك قبل شروعه - عليه السلام - في الخطبة، والدليل عليه أن