وأما قوله:"لا صلاة لفرد خلف الصف" فيحتمل أن يكون ذلك كقوله: "لا وضوء لمن لم يُسم الله"، وكالحديث الآخر:"لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" وليس ذلك على أنه إذا صلى كذلك كان في حكم من لم يصل، ولكنه قد صلى صلاةً مجزئةً، ولكنها ليست متكاملة الأسباب في الفرائض والسنن؛ لأن من سنة الصلاة مع الإِمام اتصال الصفوف وسدِّ الفرج هكذا ينبغي للمصلي خلف الإِمام أن يفعل، فإن قصر عن ذلك فقد أساء وصلاته مجزئة ولكنها ليست بالصلاة المتكاملة في فرائضها وسننها، فقيل لذلك: لا صلاة له. أي: لا صلاة له متكاملةً كما قال - عليه السلام -: "ليس المسكين بالذي ترده التمرة والتمرتان ولكن المسكين الذي لا يُعرف فيُتَصدق عليه ولا يَسْأل الناس". فكان معنى قوله:"ليس المسكين بالذي ترده التمرة والتمرتان" إنما معناه: ليس هو بالمسكين المتكامل في المسكنة؛ إذ هو يَسْأل فُيْعطي ما يقوته ويواري عورته، ولكن المسكين: الذي لا يسأل الناس ولا يعرفونه فيتصدقون عليه، فنفى في هذا الحديث من كان مسكينًا غير متكامل أسباب المسكنة أن يكون مسكينًا، فيحتمل أن يكون أيضًا إنما نفى بقوله:"لا صلاة لمن صلّى خلف الصف وحده" أن يكون مصليًّا؛ لأنه غير متكامل أسباب الصلاة وهو مُصَلٍّ صلاةً تُجزئه.
ش: أي وقال الآخرون في جواب احتجاج أهل المقالة الأولى بالأحاديث المذكورة: ليس في هذه الآثار أي أحاديث وابصة وعلي بن شيبان ما يدل على خلاف ما قلنا من جواز صلاة المنفرد خلف الصف. وأراد أن الأحاديث المذكورة ليست بحجة علينا؛ لأنها تحتمل معنًى آخر غير المعنى الذي تعلق به هؤلاء.
أما حديث وابصة فإنه يحتمل أن يكون معناه كمعنى حديث رفاعة بن رافع الذي أخرجه الأربعة (١) حيث قال - عليه السلام - لذلك الرجل الذي كالبدوي صلى
(١) أبو داود (١/ ٢٨٨ رقم ٨٥٧)، والترمذي (٢/ ١٠٠ رقم ٣٠٢)، والنسائي (٢/ ١٩٣ رقم ١٠٥٣)، وابن ماجه (١/ ١٥٦ رقم ٤٦٠).