ص: فكان من الحجة عليهم لأهل المقالة الأولى: ما قد حدثنا علي بن مَعْبد، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام - أنه قال:"مَنْ أدرك من صلاة الغداة ركعةً قبل طلوع الشمس فليصل إليها أخرى".
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا علي بن المبارك، عن يحيى ابن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"مَنْ أدرك ركعةً من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد تمت صلاته، فإذا أدرك ركعةً من صلاة الصبح فقد تمت صلاته".
ففيما روينا ذكر البناء بعد طلوع الشمس على ما قد دخل فيه قبل طلوعها، فكان من الحجة على أهل هذه المقالة أن هذا قد يجوز أن يكون كان من النبي- عليه السلام - قبل نهيه عن الصلاة عند طلوع الشمس؛ فإنه قد نهى عن ذلك، وتواترت عنه الآثار بِنَهيْه عن ذلك وقد ذكرنا تلك الآثار أيضًا في باب مواقيت الصلاة، فيحتمل أن يكون ما كان فيه الإباحة هو منسوخ بما فيه النهي.
ش: هذا إيراد من أهل المقالة الأولى على ما قاله أهل المقالة الثانية.
بيانه: أن يقال: إنكم حَمْلتم قوله - عليه السلام -: "من أدرك من صلاة الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك" على مَنْ لم يكن أهلًا إذا صاروا أهلًا قبل طلوع الشمس كما ذكرناه، فما تقولون فيما رواه أبو رافع، عن أبي هريرة. وأبو سلمة عنه أيضًا؛ فإنه صريح على ذكر البناء بعد طلوع الشمس على ما قد دخل فيه قبل الطلوع؟
وتقرير الجواب أن يقال: إن الآثار قد تواترت عن النبي - عليه السلام - بالنهي عن الصلاة عند طلوع الشمس ما لم يتواتر بإباحة الصلاة عند ذلك، فدل ذلك أن ما كان فيه الإباحة كان منسوخًا بما كان فيه التواتر بالنهي.