فإن قيل: ما حقيقة النسخ في هذا؟ والذي ذكره الطحاوي نسخ بالاحتمال، وهل يثبت النسخ بطريق الاحتمال؟
قلت: حقيقة النسخ ها هنا أنه اجتمع في هذا الموضع محرِّم ومبيح، وقد تواترت الآثار والأخبار في باب المحرِّم ما لم تتواتر في باب المبيح، وقد عرف من القاعدة أن المحرِّم والمبُيح إذا اجتمعا يكون العمل للمُحَرِّم، ويكون المبُيح منسوخًا؛ وذلك لأن الناسخ هو المتأخر، ولا شك أن الحرمة متأخرة عن الإباحة؛ لأن الأصل في الأشياء الإباحة والتحريم عارض، ولا يجوز العكس؛ لأنه يلزم النسخ مرتين؛ فافهم فإنه كلام دقيق قد لاح لي من الأنوار الربانية.
وقد يجاب عن الأول بأنه محمول على أنه إذا طلعت الشمس بعد صلاته ركعةً واحدة يتوقف إلى أن تطلع الشمس ثم يصلي إليها ركعة أخرى.
وإليه ذهب أبو يوسف في هذا الباب على ما عرف في الفروع، ووجه ذلك: أنه يكون في هذه الصورة مؤديًا بعض الصلاة في وقتها، ولو أفسدنا صلاته في هذه الحالة يكون مؤديًا جميع صلاته خارج الوقت، فحينئذٍ أداء بعض الصلاة في الوقت أولى من أداء الكل خارج الوقت.
وعن الثاني: بأن معنى قوله: "فقد تمت صلاته" يعني تم وجوبها في ذمته بإدراك ذلك القدر في الوقت، فالكلام ليس على ظاهره، ألا ترى أنه لا تتم صلاته حقيقة بإدراك ركعة واحدة، وإنما تمامها بالركعتين جميعًا؟ فعلمنا أن قوله:"فقد تمت صلاته" معناه: تم وجوبها لا حقيقة الصلاة.
ثم إنه أخرج الحديثين المذكورين بإسناد صحيح:
أحدهما: عن علي بن معبد بن نوح المصري، عن عبد الوهاب بن عطاء الخفاف أبي نصر العجلي البصري روى له الجماعة البخاري في غير "الصحيح"، عن سعيد بن أبي عروبة مهران العدوي البصري روى له الجماعة، عن قتادة بن