للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلتَ: قد أخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" (١) ما فيه حكايته عن فعل عمر - رضي الله عنه - فقال: ثنا عبد الله بن نمير، عن عبد الله بن عمر، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة قال: "صلى عمر - رضي الله عنه - المغرب فلم يقرأ، فلما انصرف قال له الناس: إنك لم تقرأ. قال: فكيف كان الركوع والسجود؟ تامٌ هو؟ قالوا: نعم. فقال: لا بأس، إني حدثت نفسي بعيرٍ جهّزتُها بأقتابها وحقائبها".

قلت: هذه الرواية تدل على أنه لم يُعد صلاته لتركه القراءة، وتلك الرواية تدل على أنه قد أعادها لأجل ترك القراءة، فالإثبات أولى من النفي ها هنا؛ لموافقته النَصّ الدالّ على فرضيّة القراءة في الصلاة، وقد علم أن بترك فرض من فروض الصلاة تفسد الصلاة.

ص: وهذا أيضًا مما يدلُّ عليه النظرُ؛ وذلك أنهم أجمعوا أن رجلًا لو صلى خلف جنب وهو يعلمُ بذلك أن صلاته باطلة، وجعلوا صلاته مضمنةً لصلاة إمامه، فلما كان ذلك كذلك إذا كان يَعلمُ بفساد صلاة إمامه كان كذلك هو في النظر إذا كان لاَ يَعلمُ بها، ألا ترى أن المأموم لو صلى وهو جنب وهو يَعلَمُ أو لا يَعلمُ كانَتْ صلاتُه باطلةً فكان ما يُفسدُ صلاته في حال علمه هو الذي يُفسِدُ صلاته في حال جَهْله به، وكان علمه بفساد صلاة إمامِه يُفْسِدُ صلاته، فالنظر على ذلك أن يكون كذلك جَهْلهُ بفساد صلاة إمامه، فهذا هو النظر، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: أشار بهذا إلى ما ذكره من فساد صلاة المأموم بفساد صلاة الإِمام.

قوله: "وذلك" إشارة إلى وجه النظر والقياس، والباقي ظاهر.

قوله: "ألا ترى" توضيح لما ذكره من قياس فساد صلاة المأموم عند جهله بفساد صلاة إمامه على فساد صلاته مع علمه بفساد صلاة الإِمام، فتساوى


(١) "مصنف ابن أبي شيبة" (١/ ٣٤٨ رقم ٤٠٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>