ولو كانت واجبة لخرج الكلام فيه على صيغة لفظ الإلزام فيقول: ألزمكم أو فرض عليكم أو نحو ذلك من الكلام.
وقد رُوي أيضًا في هذا الحديث:"إن الله قد زادكم صلاة"، ومعناه الزيادة في النوافل؛ وذلك أن نوافل الصلوات شفع لا وتر فيها فقيل: أمدكم بصلاة وزادكم صلاةً لم تكونوا تصلونها قبل ذلك على تلك الصورة والهيئة وهي الوتر.
وفيه: دليل على أن الوتر لا يقضى بعد طلوع الفجر، وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد، وهو قول عطاء، وقال سفيان الثوري وأصحابه: يقضي الوتر وإن كان قد صلى الفجر. وكذلك قال الأوزاعي.
قلت: لا نسلم أن قوله: "أمدكم بصلاة" يدل على أنها غير لازمة؛ بل يدل على أنها لازمة؛ وذلك لأنه نسب ذلك إلى الله تعالى، فلا يكون ذلك إلا واجبًا، وتعين العبارة ليس بشرط في الوجوب، وقوله:"ومعناه الزيادة في النوافل" غير صحيح؛ لأن الزيادة من الله لا تكون نفلًا وإنما يكون ذلك إذا كان من النبي - عليه السلام - بشرط عدم المواظبة؛ فحينئذٍ سقط قوله أيضًا: وفيه دليل على أن الوتر لا يقض بعد طلوع الفجر، بل الأحاديث التي تدل على وجوبه تدل على أنه يُقضى، وهو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة، وعن أبي يوسف: لا قضاء عليه، وعن محمد: أحبّ إليّ أن يقضيه، وعن الشافعي: لا يجب عليه القضاء، وعن أحمد وأبي مصعب واللخمي المالكي: لا يقضي بعد الفجر.
فإن قيل: لم يقل بوجوب الوتر غير أبي حنيفة؟ حتى قال القاضي أبو الطيب: إن العلماء كافة قالت إن الوتر سنة حتى أبو يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة وحده: هو واجب.
وقال أبو حامد في "تعليقه": الوتر سنة مؤكدة ليس بفرض ولا واجب، وبه قالت الأمة كلها إلا أبا حنيفة.