للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرأينا المصلي لو شك في أنه هل صلى أم لا كان الواجب عليه أن يصلي حتى يعلم يقينًا أنه قد صلى، ولا يجوز العمل في ذلك بالتحري؛ لما قلنا: إن الشيء مبنيّ على أصله المعروف حتى يزيله يقين لا شك معه.

فالنظر والقياس على ذلك: أن يكون حكمه كذلك في كل جزء من أجزاء صلاته؛ لأن كل ذلك فرض عليه، وعليه أن يأتي بكل ذلك حتى يتيقن أنه قد أتى به، ألا ترى أن العلماء قد أجمعوا أن مَنْ أيقن بالحدث وشك في الوضوء أن شكه لا يفيده فائدة، وأن عليه الوضوء فرضًا، وهذا يدلك أن الشك ملغي، وأن العمل على اليقين عندهم، وهذا أصل كبير في الفقه، ألا ترى إلى قوله - عليه السلام -: "وإذا أتى أحدكم الشيطان وهو في صلاته فقال له: إنك قد أحدثت، فلا ينصرف حتى يسمع بأذنيه صوته أو يجد ريحه بأنفه"، فإنه - عليه السلام - لم يَنْقله من يقين طهارته إلى شكٍّ، بَلْ أمره أن يبني على يقينه في ذلك حتى يصحّ عنده يقينٌ يصيرُ إليه.

ص: فإن قال قائل: إن الفرض عليه غيرُ واجب حتى يعلم يقينًا أنه واجبٌ.

قيل له: ليس كذلك وجدنا العبادات كلها؛ لأنَّا تُعبدْنا أنه إذا أغمي علينا في يوم ثلاثين من رمضان فاحتمل أن يكون من شهر رمضان فيكون علينا صومه، واحتمل أن يكون من شوال فلا يكون علينا صومُه، أمرنا أن نصومه حتى نَعْلمَ يقينًا أنه ليس علينا صومه، فكان من دخل في شيء بيقين لم يخرج منه إلا بيقين، فالنظر على ذلك أن يكون أول من دخل في صلاته بيقين أنها عليه، لم يحل له الخروج منها إلا بيقين أنه قد حلّ له الخروج منها.

ش: تقرير السؤال أن يقال: إنكم قد فرضتم على الذي شك في صلاته أصلى ثلاثًا أم أربعًا مثلًا أن يأتي به حتى يعلم يقينًا أنه قد جاء به، والفرض عليه غير واجب حتى يعلم يقينًا أنه واجب، وأراد أن الفرضية لا تثبت إلا باليقين.

<<  <  ج: ص:  >  >>