الحديث، وقال الشافعي: جلود الميتة كلها تطهير بالدباغ وكذلك جلد ما لا يؤكل لحمه إذا دبغ إلا الكلب والخنزير فإن الذكاة لا تعمل فيهما شيئًا.
قال أبو عمر: لا تعمل الذكاة عند الشافعي في جلد ما لا يؤكل لحمه، وحكى عن أبي حنيفة أن الذكاة عنده عاملة في السباع والحمير لجلودها، ولا تعمل الذكاة عنده في جلد الخنزير ولا عند أحد من أصحابه. انتهى.
وفي "البدائع" تطهر الجلود كلها بالدباغ إلا جلد الآدمي والخنزير، كذا ذكر الكرخي، وقال مالك: إن جلود الميتة لا تطهير بالدباغ، لكن يجوز استعماله في الجامد لا المائع، بأن جعل جرابا للحبوب دون المرق والماء والسمن والدبس وقال عامة أصحاب الحديث: لا يطهر بالدباغ إلا جلد ما يؤكل لحمه، وقال الشافعي كما قلنا إلا في جلد الكلب، فإنه نجس العين عنده كالخنزير وكذا روي عن الحسن بن زياد، ثم قول الكرخي:"إلا جلد الإنسان" جواب ظاهر قول أصحابنا، وروي عن أبي يوسف أن الجلود كلها تطهير بالدباغ؛ لعموم الحديث، والصحيح أن جلد الخنزير لا يطهر بالدباغ، وأما جلد الفيل فذكر في "العيون" عن محمد أنه لا يطهر بالدباغ، وروي عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه يطهر، والله أعلم.
ص: وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى فيما احتجوا به عليهم من حديث ابن أبي ليلى الذي ذكرنا: أن قول النبي - عليه السلام - تنتفعوا من الميتة بإهياب ولا عصب، فقد يجوز أن يكون أراد بذلك ما دام ميتة غير مدبوغ، فإنه قد كان سئل عن الانتفاع بشحم الميتة، فأجاب الذي سأله بمثل هذا.
حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: حدثني زمعة بن صالح، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال:"بينا أنا عند رسول الله - عليه السلام - إذ جاءه ناس فقالوا: يا رسول الله - عليه السلام - إن سفينة لنا انكسرت، وإنا وجدنا ناقة سمينه ميتة، فأردنا أن ندهن سفينتنا، وإنما هي عود وهي على الماء، فقال: رسول الله - عليه السلام - لا تنفعوا بالميتة". جوابًا له وأن ذلك على النهي عن الانتفاع بشحومها، فأما ما كان يدفع منها حتى يخرج من حال الميتة ويعود إلى غير معنى الأهب فإنه يطهر بذلك.