ش: أي وكان من الحجة والبرهان لأهل المقالة الثانية في الذي احتجت به أهل المقالة الأولى عليهم من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى الذي رواه عن عبد الله بن عكيم، وهذا جواب عن الحديث المذكور، وهو أن قوله - عليه السلام -: "لا تنتفعوا من الميتة بإهاب". معناه: ما دام ميتة غير مدبوغ، ونحن نقول أيضًا: مادام إهابًا لا يجوز استعماله؛ لأن الإهاب اسم لجلد غير مدبوغ، فإذا دبغ تَغَيُّر ذاته واسمه أما تَغَيُّر ذاته فإنه تزول عنه تلك الرطوبة النجسة والنتن والفساد.
وأما تَغَيُّر اسمه فإنه يسمى بعد الدباغ أديمًا بيان ذلك: أنه - عليه السلام - قد كان سئل عن الانتفاع بشحم الميتة، فأجاب لذلك السائل بقوله:"لا تنتفعوا من الميتة بشيء". رواه جابر بن عبد الله، وأخبر أن قوله - عليه السلام - كان جوابًا لذلك السائل فإن قوله:"لا تنتفعوا من الميتة بشيء" وإن كان عامًّا في الصورة، ولكن الراد منه النهي عن الانتفاع بشحوم الميتة؛ لأن السؤال عنه، فالجواب ينبغي أن يطابق السؤال.
وأما ما يدبغ من الميتة فإنه يخرج من حال الميتة ويعود إلى غير معنى الأَهَب لأن جلدها ما لم يدبغ متصف بالنتن والفساد، فإذا دبغ خرج عن ذلك المعنى كما ذكرناه.
وقوله:"الأَهَب" بفتحتين جمع إهاب كما ذكرناه عن قريب.
ثم إنه أخرج حديث جابر بن عبد الله من طريقين:
أحدهما: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن زمعة بن صالح الجندي اليماني نزيل مكة، عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي، عن جابر.
وهذا الإسناد فيه ما فيه من جهة زمعة؛ فإن أحمد ويحيى والنسائي ضعفوه.
والآخر: عن إبراهيم بن محمد بن يونس بن مروان، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، عن زمعة بن صالح، عن أبي الزبير، عن جابر.