كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار

كتاب الطهارة - ص: باب: فرض الرجلين في الوضوء - ج: 1 - ص: 348

ص: وقد اختلف الناس في قوله عز وجل: {وَأَرْجُلَكُمْ} (١) فأضافه قوم إلى قوله: {بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} (١) قصرا على معنى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} وأضافه قوم إلى قوله: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} فقرءوا {وَأَرْجُلَكُمْ} (١) نَسَقا على قوله: فاغسلوا وجوهكم، واغسلوا أيديكم، واغسلوا أرجلكم على الإضمار والنسق.

ش: لما ذكر حجج الفريقين من الآثار والأخبار، شرع بذكر استدلالهم بالقرائتين المختلفتين في آية الوضوء، فالفريق الأول -أعني الذين ذهبوا إلى مسح الرجلين- أخذوا بقراءة الجرِّ في قوله: {وَأَرْجُلَكُمْ} (١) وجعلوها عطفا على قوله: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} وهو معنى قوله: "فأضافه قوم إلى قوله: وامسحوا ... " إلى آخره فيكون المأمور في الوضوء أربعة أشياء:

غسلان: غسل اليدين، والوجه، ومسحان: مسح الرأس والرجلين، فقرأ بالجرّ ابن عباس، والحسن، وعكرمة، وحمزة، وابن كثير، وقال الحافظ أبو بكر بن العربي: وقرأ أنس، وعلقمة، وأبو جعفر أيضًا بالخفض، وقال موسى بن أنس لأنس: يا أبا حمزة، إنَّ الحجاج خطبنا بالأهواز ونحن معه، فذكر الطهور فقال: اغسلوا حتى ذكر الرجلين، وغسلهما، وغسل العراقيب، فقال أنس: صدق الله وكذب الحجاج، قال الله سبحانه: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} (١) قال: وكان أنس إذا مسح قدميه بلهما، وقال: نزل القرآن بالمسح وجاءت السُّنَّهُ بالغسل.

وعن ابن عباس وقتادة: "افترض الله -سبحانه- مسحين، وغسلين"، وبه قال عكرمة، والشعبي، واختار الطبري التمييز بينهما، وجعل القراءتين كالروايتين في الخبر، يعمل بهما إذا لم يتناقضا. انتهى.

والفريق الثاني -أعني الذين ذهبوا إلى غسل الرجلين- أخذوا بقراءة النصب، وهو معنى قوله: "وأضافه قوم إلى قوله: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} (١) وأراد بالإضافة

---

(١) سورة المائدة، آية: [٦].