للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستدلوا على ذلك بهذه الأحاديث المذكورة، ويروي ذلك عن القاسم وسالم، وإليه ذهب أهل الظاهر وقال ابن حزم في "المحلى": ويجب الإسراع بالجنازة.

وقال ابن قدامة: اختلفوا في الإسراع المستحب فقال القاضي: المستحب إسراع لا يخرج عن المشي المعتاد، وهو قول الشافعي، وقال أصحاب الرأي يخب ويرمل.

قلت: هذا ليس بصحيح عن أصحابنا، فإنهم كرهوا الخبب.

وقال ابن المتن: الإسراع هو مشي الناس على سجيتهم، ويكره الإسراع المفرط.

وفي "شرح المهذب": جاء عن بعض السلف كراهة الإسراع بالجنازة ولعله يكون محمولًا على الإسراع المفرط الذي يخاف منه انفجار الميت أو خروج شيء منه، كما قالوا هكذا في حديث عطاء عن ابن عباس قال: "حضرنا مع ابن عباس جنازة ميمونة بسرِف، فقال ابن عباس: هذه ميمونة، إذا رفعتم نعشها فلا تزعوعوا ولا تزلزلوا".

رواه البخاري (١)، ومسلم (٢)، وأراد به شدة الإسراع الذي يخاف منها الانفجار.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: بل يمشي بها مشيًا لينًا، فهو أفضل من غير ذلك.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم جمهور العلماء، منهم: الثوري ومالك والشافعي وأحمد، فإنهم قالوا: يمشون بالجنازة مشيًا قصدًا لا يتجاوزون به عن الاعتدال، وقال عياض في قوله - عليه السلام -: "أسرعوا بالجنازة" أكثر العلماء على أن معناه الإسراع بحملها إلى قبرها، وقيل: الإسراع بتجهيزها إذا تحقق موتها، والأول أظهر ومعنى هذا الإسراع عند بعضهم: ترك التراخي في المشي به والتباطؤ والزهو في المشي، ويكره الإسراع الذي يشّق على من يتبعها ويحرك الميت، وربما سبّب خروج شيء منه، وعلى هذا حملوا نهي من نهى عن الدبيب بها دبيب


(١) "صحيح البخاري" (٥/ ١٩٩٠ رقم ٤٧٨٠).
(٢) "صحيح مسلم" (٢/ ١٠٨٦ رقم ١٤٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>