اليهود من السلف وأمر بالإسراع، وجمعوا بينه وبين من روي عنه النهي عن الإسراع، واستدلوا بما جاء في الحديث مفسرًا عنه وهو ما دون الخبب، وفي حديث آخر:"عليكم بالقصد في جنائزكم" وهذا قول جمهور العلماء وأبي حنيفة وأصحابه، والشافعي وابن حبيب من أصحابنا.
ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا مبشر بن الحسن، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا شعبة، عن ليث بن أبي سليم، قال: سمعت أبا بردة يحدث، عن أبيه:"أن النبي - عليه السلام - مُرَّ عليه بجنازة وهم يسرعون بها، فقال: "ليكن عليكم السكينة".
فلم يكن عندنا في هذا الحديث حجة على أهل المقالة الأولى؛ لأنه قد يجوز أن يكون في مشيهم ذلك عنف يجاوز ما أمروا به في الأحاديث الأول من السرعة، فنظرنا في ذلك هل نجد في ذلك دليلًا يدلنا على شيء من ذلك؟ فإذا عبد الله بن محمد بن خشيش البصري قد حدثنا، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا زائدة، عن ليث، عن أبي بردة، عن أبيه قال: "مر على رسول الله بجنازة يسرعون بها المشي وهي تمخض كمخض الزق، فقال: عليكم بالقصد بجنائزكم".
معنى هذا الحديث أن الميت كان يمخض لتلك السرعة كمخض الزق، فيحتمل أن يكون أمرهم بالقصد؛ لأن تلك السرعة سرعة يخاف منها أن يكون من الميت شيء، فنهاهم عن ذلك، فكان ما أمرهم به من السرعة في الآثار الأُوَل هي أفضل من هذه السرعة.
فنظرنا في ذلك أيضًا هل روي فيه شيء يدلنا على شيء من هذا المعنى؟ فإذا أبو أمية قد حدثنا، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أنا الحسن بن صالح، عن يحيى الجابر، عن أبي ماجدة، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "سألنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - عن السير بالجنازة، فقال: ما دون الخبب، فإن يك مؤمنًا عجل بالخير، وإن يك كافرًا فبعدًا لأهل النار".
فأخبر رسول الله - عليه السلام - في هذا الحديث أن السير بالجنازة هو ما دون الخبب، فذلك عندنا دون ما كانوا يفعلون في حديث أبي موسى حتى أمرهم رسول الله - عليه السلام - بما