للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمرهم به من ذلك، ومثل ما أمر به من السرعة في حديث أبي هريرة؛ فبهذا نأخذ، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: أي أحتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بما حدثنا مبشر ... إلى آخره، وهو حديث أبي موسى الأشعري ولكن لا حجة فيه على أهل المقالة الأولى، لأنه يحتمل أن يكون قد كان في مشيهم ذلك عنف أي شدة إسراع وإزعاج للميت قد تجاوز ما كانوا أمروا به في الأحاديث الأُوَل من السرعة، وهي الأحاديث التي احتجت بها أهل المقالة الأولى المذكورة في أول الباب، فإذا كان كذلك يحتاج إلى النظر فيه، هل يوجد ما يدل على شيء من ذلك؟ فنظرنا في ذلك فوجدنا حديثًا آخر عن أبي موسى الإشعري أيضًا يخبر أن الميت كان يمخض من مشيهم وعنفهم فيه كما يمخض الزق، فلذلك قال لهم: - عليه السلام - "عليكم بالقصد بجنائزكم" ولكن هذا أيضًا يحتمل أن يكون أمره إياهم بالقصد لكون تلك السرعة سرعة يخاف منها أن يخرج من الميت شيء، فلذلك أمرهم بالقصد في المشي ونهاهم عن تلك السرعة، فيكون حينئذ ما أمرهم به من السرعة المذكورة في الأحاديث الأُوَل أفضل من هذه السرعة، ولكن يحتاج هذا إلى دليل يدل عليه، فوجدنا حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - أخبر أن السير بالجنازة هو ما دون الخبب -وهو ما دون العدو- فهذا دون ما فعلوا من الإسراع المذكور في حديث أبي موسى، ومثل ما أمر به من السرعة المذكورة في حديث أبي هريرة.

قال الطحاوي: وبهذا نأخذ أي وبما دل عليه حديث ابن مسعود من السير دون الخبب نأخذ، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله، وعن هذا قال أصحابنا في كتبهم: ويسرعون به -أي بالميت- دون الخبب.

فالحاصل أنه أشار ها هنا إلى ثلاثة مذاهب: الأول الإسراع من غير قيد، والثاني المشي اللين، والثالث الإسراع دون الخبب، وصرح بالمذهبين الأولين بقوله: فذهب قوم إلى أن السرعة بالسير بالجنازة أفضل من غير ذلك، وقوله وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا بل يمشي بها مشيًا لينًا فهو أفضل من غير ذلك، وبين المذهب

<<  <  ج: ص:  >  >>