ثم قد خالف ابن عيينة في إسناده في هذا الحديث كل أصحاب الزهري غيره، فرواه مالكًا عن الزهري قال:"كان رسول الله - عليه السلام - يمشي أمام الجنازة"، فقطعه، ثم رواه عُقيل، ويونس، عن ابن شهاب، عن سالم قال:"كان رسول الله - عليه السلام - وأبو بكر وعمر وعثمان يمشون أمام الجنازة" هذا معناه، وإن لم يكن لفظه كذلك؛ لأن أصل حديثه إنما هو عن سالم قال:"كان عبد الله بن عمر يمشي أمام الجنازة، وكذلك كان رسول الله - عليه السلام - وأبو بكر وعمر وعثمان" فصار هذا الكلام كله في هذا الحديث إنما هو عن سالم لا عن ابن عمر، فصار حديثًا منقطعًا.
وفي حديث يحيى بن أيوب، عن عُقيل، "كذلك السنة في اتباع الجنائز" زيادة على ما في حديث الليث وسلامة عن عُقيل فكذلك أيضًا لا حجة فيه؛ لأنه إنما هو من كلام سالم أو من كلام الزهري، وقد روي عن ابن عمر خلافه مما سنرويه في موضعه من هذا الباب إن شاء الله تعالى.
ش: أي وكان من الحجة والبرهان لهؤلاء الآخرين كل أهل المقالة الأولى: أن حديث سفيان بن عيينة ... إلى آخره، وهذا جواب عن الحديث الذي احتجت به أهل المقالة الأولى.
وملخصه من وجهين.
أحدهما: أن ما رواه الزهري، عن سالم، عن أبيه قال:"رأيت رسول الله - عليه السلام - وأبا بكر وعمر وعثمان يمشون أمام الجنازة" لا يدل على أن هذا أفضل من المشي خلفها؛ لأنه قد يجوز أن يكون كانوا يفعلون شيئًا والحال أن غيره كان أفضل منه عندهم، ولكن إنما فعلوه لأجل التوسعة على الناس، كما في الوضوء فإن النبي - عليه السلام - توضأ مرة مرة والحال أن التوضؤ مرتين مرتين أفضل منه، وتوضأ مرتين مرتين والحال أن التوضؤ ثلاثًا ثلاثًا أفضل منه، وإنما فعل ذلك توسعًا لأمته وترفهًا لهم.
والآخر: وهو الذي أشار إليه بقوله: "ثم قد خالف ابن عيينة ... إلى آخره، وهو ظاهر.