للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديث سالم الذي رويناه في أول هذا الباب إنما هو كما رواه مالك عن الزهري موقوفًا، أو كما رواه عُقيل ويونس عن الزهري عن سالم موقوفًا، لا كما رواه ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه مرفوعًا.

ش: ذكر هذا الأثر لمعنيين أيضًا:

أحدهما: إن فيه دلالة صريحة على أن المشي خلف الجنازة هو الأفضل؛ لأن ابن عمر - رضي الله عنهما - نفى من يسير أمام الجنازة أن يكون معها، فإذا لم يكن معها لم يحصل له ثواب التشييع.

والآخر: لينبه على أن أصل الحديث الذي رواه سفيان بن عيينة، عن محمد بن مسلم الزهري، عن سالم، عن عبد الله بن عمر قال: "رأيت رسول الله - عليه السلام - وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة". موقوف كما رواه مالك عن الزهري موقوفًا، وكما رواه عقيل بن خالد الأيلي، ويونس بن يزيد الأيلي، عن الزهري، عن سالم موقوفًا، وكيف لا يكون موقوفًا وقد قال ابن عمر في الحديث المذكور: "الذي يسير أمام الجنازة ليس معها؟ " فمن المستحيل أن يقول هذا القول والحال أنه قد كان رأى النبي - عليه السلام - يمشي أمامها، فدل ذلك قطعًا أن أصل الحديث موقوف، ولهذا قال النسائي: هذا حديث خطأ. وهم فيه ابن عيينة. وقال ابن المبارك: حديث الزهري في هذا مرسلًا أصح من ابن عيينة. وقد مر الكلام فيه مستقصى.

فإن قيل: إذا ثبت هذا يكون عن ابن عمر روايتان متضادتان.

قلت: لا، لأن المروي عنه في المشي أمام الجنازة إما لبيان أنه مباح، وإما لضرورة دعت إلى ذلك، والمروي عنه في المشي خلفها لبيان الفضيلة، فلذلك نفى من يسير أمامها أن يكون معها. فافهم.

ثم إسناد الأثر المذكور صحيح؛ لأن رجاله ثقات، وإبراهيم بن أبي داود البرلسي حافظ ثقة ثبت، قاله ابن عساكر وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>