ص: وليس هذا الحديث عندنا يدل على ما ذهبوا إليه؛ لأن رسول الله - عليه السلام - قد روي عنه ما حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أن رسول الله - عليه السلام - كان يَسدلُ شعره، وكان المشركون يفرقون رءوسهم، وكان أهل الكتاب يسدلون رءوسهم، وكان رسول الله - عليه السلام - يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، ثم فرق رسول الله - عليه السلام -".
حدثنا محمد بن عُزَيْز الأيلي، قال: ثنا سلامة، عن عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني عبيد الله ... فذكر بإسناده مثله.
فأخبر ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - عليه السلام - كان يتبع أهل الكتاب حتى يؤمر بخلاف ذلك، فاستحال أن يكون ما أمر به من القعود في حديث عبادة هو لخلاف أهل الكتاب قبل أن يؤمر بخلافهم في ذلك؛ لأن حكمه - عليه السلام - أن يكون على شريعة النبي - عليه السلام - الذي كان قبله حتى تحدث له شريعة تنسخ ما تقدمها، قال الله -عز وجل-: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}(١)، ولكنه ترك ذلك عندنا -والله أعلم- حين أحدث الله له شريعة في ذلك وهو القعود، نسخ ما قبلها وهو القيام.
ش: رد الطحاوي ما ذهب إليه أولئك القوم واستدلالهم فيه بحديث عبادة بن الصامت المذكور، بيانه: أنه ورد في حديث ابن عباس أنه - عليه السلام - كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم أمر فيه بشيء، وكان يتبعهم إلى أن يؤمر بخلافه، فمن المستحيل أن يكون ما أمر به النبي - عليه السلام - من القعود في حديث عبادة لأجل مخالفته أهل الكتاب قبل أن يؤمر بخلافهم في ذلك؛ فإنه - عليه السلام - كان حكمه أن يكون على شريعة النبي - عليه السلام - الذي كان قبله إلى أن يبعث الله شريعة تنسخ ذلك، وكيف وقد أمره الله - عليه السلام - أن بهدى الذين هداهم الله من قبله من الأنبياء عليهم السلام كما قال -عز وجل- في كتابه الكريم:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}(١) فظهر من ذلك أن