تركه - عليه السلام - القيام وأمره إياهم بالقعود؛ لأجل ما أحدث الله له من شريعة -وهو القعود- بنسخ ما قبله- وهو القيام.
ثم اعلم أن أهل الأصول اختلفوا في شرائع من قبلنا، فمنهم من قال: ما كان شريعة لنبي فهو باق أبدًا حتى يقوم دليل النسخ فيه، وكل من يأتي فعليه أن يعمل به على أنه شريعة ذلك النبي ما لم يظهر ناسخه.
وقال بعضهم: شريعة كل نبي تنتهي ببعث نبي آخر بعده، حتى لا يعمل به إلا أن يقوم الدليل على بقائه، وذلك ببيان من النبي المبعوث بعده.
وقال بعضهم: شرائع من قبلنا يلزمنا العمل بها على أن ذلك شريعة لنبينا - عليه السلام - فيما لم يظهر دليل النسخ فيه، ولا يفصلون بين ما يصير معلومًا من شرائع من قبلنا بنقل أهل الكتاب أو برواية المسلمين عما في أيديهم من الكتاب، وبين ما يثبت من ذلك ببيان في القرآن أو السنة.
وقال شمس الأئمة: وأصحُّ الأقاويل عندنا أن ما ثبت بكتاب الله أنه كان شريعة من قبلنا أو ببيان من رسول الله - عليه السلام - فإن علينا العمل به على أنه شريعة لنبينا ما لم يظهر ناسخه، فأما ما علم بنقل أهل الكتاب أو بفهم المسلمين من كتبهم فإنه لا يجب اتباعه؛ لقيام دليل موجب للعلم على أنهم حرفوا الكتب فلا يعتبر نقلهم في ذلك لتوهم أن المنقول من جملة ما حرفوا، ولا يعتبر فهم المسلمين ذلك مما في أيديهم من الكتاب؛ لجواز أن يكون ذلك من جملة ما غيروا وأبدلوا.
ثم إنه أخرج حديث ابن عباس من طريقين صحيحين ورجالهما كلهم رجال الصحيح ما خلا ابن عُزَيْز -بضم العين وبزائين معجمتين- وسلامة بن روح بن خالد وهما أيضًا ثقتان.
ويونس الأول هو ابن عبد الأعلى شيخ مسلم، والثاني يونس بن يزيد الأيلي، وابن شهاب هو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وعُقَيْل -بضم العين- ابن خالد الأيلي.