وفي "المطالع": وكانوا يَفْرِقُون- بالتخفيف أشهر، وقد شدها بعضهم، والمصدر الفَرْق -بالسكون- وقد انفرق شعره انقسم في مقرقه، وهو وسط رأسه، وأصله الفرق بين الشيئين، والمفرق مكان فرق الشعر من الجبين ببن دائرة وسط الرأس، يقال: بفتح الراء والميم وكسرهما، وكذلك مفرق الطريق.
ص: وقد روي هذا المذهب عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.
حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا مسدد، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن سخبرة قال:"كنا قعودًا مع علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ننتظر جنازة فمُرَّ بجنازة أخرى فقمنا، فقال: ما هذا القيام؟ فقلت: ما تأتونا به يا أصحاب محمد! قال أبو موسى - رضي الله عنه - قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: إذا رأيتم جنازة مسلم أو يهودي أو نصراني فقوموا؛ فإنكم لستم لها تقومون، إنما تقومون لمن معها من الملائكة. فقال علي - رضي الله عنه -: إنما صنع ذلك رسول الله - عليه السلام - مرة واحدة، كان يتشبه بأهل الكتاب في الشيء، فإذا نُهي عنه تركه".
فأخبر علي - رضي الله عنه - في هذا الحديث أن رسول الله - عليه السلام - إنما كان قام في بدء أمره على التشبه منه بأهل الكتاب وعلى الاقتداء بمن كان قبله من الأنبياء عليهم السلام حتى أحدث له خلاف ذلك -وهو القعود- فثبت بذلك ما صرفنا إليه وجه حديث عبادة - رضي الله عنه -.
ش: أراد بهذا المذهب الذي ذهب إليه بقوله: "وليس هذا الحديث عندنا ما يدل على ما ذهبوا إليه ... إلى آخره" وذلك لأنه ذكر فيه أن حكم النبي - عليه السلام - أن يكون على شريعة النبي - عليه السلام - الذي قبله حتى تُحْدَث له شريعة تنسخ ذلك، وقد أيد ذلك بما روي عن علي - رضي الله عنه -، فإنه أخبر في حديثه هذا أنه - عليه السلام - إنما كان يقوم للجنازة في ابتداء الأمر موافقة لأهل الكتاب فيه وعلى الاقتداء بمن كان قبله من الأنبياء عليهم السلام حتى أحدث الله تعالى له خلاف ذلك -وهو القعود- وترك القيام للجنازة، فكان القيام ثم القعود لهذا المعنى دون ما ذكره أولئك القوم بأنه نسخ القيام لخلاف