للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الخطابي: النجاشي رجل مسلم قد آمن برسول الله - عليه السلام - وصدقه على نبوته، إلا أنه كان يكتم إيمانه، والمسلم إذا مات وجب على المسلمين أن يصلوا عليه، إلا أنه كان بين ظهراني أي أهل الكفر ولم يكن بحضرته من يقوم بحق الصلاة عليه؛ فلزم رسول الله - عليه السلام - أن يفعل ذلك إذا هو نبيه ووليه وأحق الناس به؛ فهذا والله أعلم هو السبب الذي دعاه إلى الصلاة عليه بظهر الغيب، فعلى هذا إذا مات المسلم ببلد من البلدان وقد قضى حقه من الصلاة عليه فإنه لا يصلى عليه من كان ببلد آخر غائبًا عنه، فإن علم أنه لم يصل عليه لعائق أو مانع عذر كانت السنة أن يصلى عليه، ولا يترك ذلك لبعد المسافة، فإذا صلوا عليه استقبلوا القبلة ولم يتوجهوا إلى بلد الميت إن كان في غير جهة القبلة، وقد ذهب بعض العلماء إلى كراهة الصلاة على الميت الغائب، وزعموا أن النبي - عليه السلام - كان مخصوصًا بهذا الفعل؛ إذ كان في حكم المشاهد للنجاشي؛ لما روي في بعض الأخبار أنه قد سويت له الأرض حتى تبصر مكانه، هذا تأويل فاسد لأن رسول الله - عليه السلام - إذا فعل شيئًا من أفعال الشريعة كان علينا متابعته والاتساء به، والتخصيص لا يعلم إلا بدليل، ومما يبين ذلك: أنه - عليه السلام - خرج بالناس إلى المصلى فصف بهم، فصلوا معه فعلم أن هذا التأويل فاسد.

قلت: هذا التشنيع كله على الحنفية والمالكية، ولكن من غير توجيه، فنقول ما يبين لك فساد كلامه، وهو أن النبي - عليه السلام - رفع له سرير النجاشي فرآه فتكون الصلاة عليه كميت يراه الإمام ولا يراه المأموم.

وقد قال قال أبو عمر بن عبد البر: (١): وأكثر أهل العلم يقولون: هذا خصوص للنبي - عليه السلام - بأن أحضر روح النجاشي بين يديه حيث شاهده وصلى عليه، أو رفعت له جنازته كما كشف له عن بيت المقدس حين سألته قريش عن صفته.

وقد روي: "أن جبريل - عليه السلام - أتاه بروح جعفر أو جنازته، وقال: قم فصل عليه". فهذا وما كان مثله يدل على الخصوصية.


(١) "التمهيد" (٦/ ٣٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>