قوله:"فذلك نسخ لما قد كانوا علموا" فإن قيل: كيف يثبت النسخ بالإجماع؟ لأن الإجماع لا يكون إلا بعد النبي - عليه السلام - وآوان النسخ حياة النبي - عليه السلام - للاتفاق على أن لا نسخ بعده.
قلت: قد جَوَّزَ ذلك بعض مشايخنا بطريق أن الإجماع موجب علم اليقين كالنص، فيجوز أن يثبت النسخ به، والإجماع في كونه حجة أقوى من الخبر المشهور، فإذا كان يجوز النسخ بالخبر المشهور، فجوازه بالإجماع أولى على أن ذلك الإجماع بينهم إنما كان على ما استقر عليه آخر أمر النبي - عليه السلام - الذي قد رفع كل ما كان قبله مما يخالفه، فصار الإجماع مظهرًا لما قد كان في حياة النبي - عليه السلام - فافهم.
حتى قال بعضهم: إن حديث النجاشي هو الناسخ؛ لأنه مخرج في "الصحيح" من رواية أبي هريرة، قالوا: وأبو هريرة متأخر الإسلام، وموت النجاشي كان بعد إسلام أبي هريرة.
فإن قيل: إن كان في حديث أبي هريرة ما يدل على التأخير فليس في تلك الأحاديث المنسوخة ما يدل على التقديم، فليس أحدهما أولى بالتأخير من الآخر.
قلت: قد ورد التصريح بالتأخير من رواية ابن عمر وابن عباس وابن أبي أوفى وجابر - رضي الله عنهم -.
قوله:"وهذا كما أجمعوا عليهم" أي هذا الإجماع على أن تكبيرات الجنازة أربع بعد النبي - عليه السلام - كالذي أجمعوا عليه بعده - عليه السلام - في التوقيت على حد الخمر، وذلك لأنه لم يكن في زمن النبي - عليه السلام - حد موقت في الخمر، ولا في زمن أبي بكر - رضي الله عنه -، ولا في صدر من خلافة عمر بن الخطاب - عليه السلام -، وإنما كانوا يقومون إلى الشارب بأيديهم ونعالهم، فلما رأى عمر - رضي الله عنه - أنهم لا يمتنعون عن ذلك جلد أربعين إلى أن عَتَوا وبَغَوا فجلدهم ثمانين، فاستقر الأمر عليه.