للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأسماء وتغليب أحدهما على الآخر نحو: القمرين والعمرين، وهنا لم يذكر إلَّا اسم واحد، وقد يجاب بأنها خصت بالذكر لأن محلها أشرف أعضاء الوضوء، ولأنه أول ما يقع عليه البصر يوم القيامة.

فإنْ قيل: الوضوء من خصائص هذه الأمة أم كان أيضًا لأحد من الأمُم؟

قلت: استدلت جماعة من العلماء بهذا الحديث على أنَّ الوضوء من خصائص هذه الأمة، وبه جزم الحليمي في "منهاجه"، وقال آخرون: ليس الوضوء مختصا بهذه الأُمة، وإنما الذي اختصت به: الغرة والتحجيل، واحتجوا بقوله - عليه السلام -: "هذا وضوئي، ووضوء الأنبياء قبلي"، وأجاب الأولون عن هذا بوجهين:

أحدهما: أنه ضعيف.

والثاني: أنه لو صح لاحتمل اختصاص الأنبياء عليهم السلام دون أممهم بخلاف هذه الأمة، وفيه شرف عظيم لهم؛ حيث استووا مع الأنبياء - عليهم السلام - في هذه الخصوصية، وامتازت بالغرة والتحجيل، ولكن ورد في الحديث فيه شأن جريج العابد: "أنه توضأ وصلى" (١)، وفيه دلالة على أنَّ الوضوء كان مشروعا لهم، فعلى هذا تكون خاصية هذه الأمة الغرة والتحجيل الناشئين عن الوضوء لا الوضوء، ونقل الزناتي المالكي شارح "الرسالة" (٢) عن العلماء: أنَّ الغرة، والتحجيل حكم ثابت لهذه الأمة من توضأ منهم و [من] (٣) لم يتوضأ، كما قالوا: لا يكفر أحدٌ من أهل القبلة بذنب، إنَّ أهل القبلة كل من آمن به من أمته، سواء صلّى أو لم يصلّ، وهذا نقل غريب، فظاهر الأحاديث يقتضي خصوصية ذلك لمن توضأ منهم.


(١) هذه هي رواية البخاري في "صحيحه" (٣/ ١٢٦٨ رقم ٣٢٥٣).
(٢) هو يوسف بن عمر الزناتي المالكي، والرسالة هي رسالة ابن زيدون. انظر "كشف الظنون" (١/ ٨٤١).
(٣) ليست في "الأصل، ك"، والسياق يقتضيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>