قوله:"يُغَسل ليطهر وهو قبل أن يغسل في حكم غير الطاهر" فيه بحث، وهو أن الميت هل يتنجس بالموت أم لا؟ فيه أقوال:
فقال العراقيون من أصحابنا: يجب الغسل لنجاسة الميت لا بسبب الحدث؛ لأن للآدمي دمًا سائلًا كالحيوانات الباقية فيتنجس بالموت قياسًا على غيره منها، ألا ترى أنه إذا مات في البئر نجسها ولو حمله المصلي لم تجز صلاته ولو لم يكن نجسًا لجازت، كما لو حمل مُحْدِثا ويجوز أن تزول نجاسته بالغسل كرامة.
وقال الآخرون: الآدمي لا ينجس لا حيًّا ولا ميتًا، وإنما وجب الغسل لحدث يحله باسترخاء المفاصل لا لنجاسة تحل به إذْ لو كان يتنجس بالموت لما طهر بالغسل كسائر الحيوانات.
وقال الآخرون: هو أمر تُعبِّدنا به كرامة للميت إذ المؤمن مكرم حيًّا وميتًا.
فإن قيل: فعلى القول الثاني كان ينبغي أن يقتصر في الغسل على أعضاء الوضوء كما في حال الحياة.
قلت: نعم كان القياس ذلك، ولكن لما حل الحدث في سائر بدنه وجب غسل جميعه، وليس فيه حرج؛ لأن الحدث بسبب الموت لا يتكرر، فكان كالجنابة لا يكتفى فيها بغسل الأعضاء الأربعة بخلاف حالة الحياة، حيث اكتفي فيها بالأعضاء الأربعة للحرج فيما يتكرر كل يوم، فافهم.
فإن قيل: أي قول من هذه الأقوال أصوب؟
قلت: قول من قال: إن الميت لا يتنجس بالموت.
وذلك لما روى ابن أبي شيبة في "مصنفه"(١): حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس أنه قال:"لا تنجسوا موتاكم؛ فإن المؤمن لا ينجس حيًّا ولا ميتًا".
(١) "مصنف ابن أبي شيبة" (٢/ ٤٦٩ رقم ١١١٣٤)، ولفظه: "فإن المؤمن ليس بنجس".