للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: قد اختلف العلماء في ذلك وفي معنى الفطرة.

فقالت طائفة: ليس هذا الكلام عامًّا، والمعنى في ذلك أن كل من ولد على الفطرة وكان أبواه على غير دين الإسلام، هوداه أو نصراه أو مجساه، وليس المعنى أن جميع المولودين من بني آدم أجمعين مولودون على الفطرة ولكن المولود على الفطرة بين الأبوين الكافرين يكفرانه، وكذلك من لم يولد على الفطرة وكان أبواه مؤمنين يحكم له بحكمهم في صغره، إن كانا يهوديين فهو يهودي، يرثهما ويرثانه، وكذلك لو كانا نصرانيين أو مجوسيين حتى يعبر عنه لسانه ويبلغ الحنث، فيكون له حكم نفسه حينئذ لا حكم أبويه، واحتجوا في ذلك بحديث أُبَيِّ بن كعب - رضي الله عنه - عن النبي - عليه السلام -: "الغلام الذي قتله الخضر - عليه السلام - طبعه الله يوم طبعه كافرًا".

وبما رواه سعيد بن منصور، عن حماد بن زيد، عن علي بن زيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد يرفعه: "ألا إن بني آدم خلقوا طبقات، فمنهم من يولد مؤمنًا ويحيى مؤمنًا ويموت مؤمنًا، ومنهم من يولد كافرًا ويحيى كافرًا ويموت كافرًا، ومنهم من يولد مؤمنًا ويحيى مؤمنًا ويموت كافرًا، ومنهم من يولد كافرًا ويحيى كافرًا ويموت مؤمنًا".

ففي هذين دلالة على أن قوله: "كل مولود" ليس على العموم وأن المعنى فيه: كل مولود يولد على الفطرة وأبواه يهوديان أو نصرانيان؛ فإنهما يهودانه وينصرناه، ثم يصير عند بلوغه إلي ما يحكم به عليه، ودفعوا رواية من روى: "كل بني آدم يولد على الفطرة". قالوا: ولو صح هذا اللفظ ما كان فيه حجه أيضًا؛ لأن الخصوص يجوز دخوله على هذا اللفظ وذلك كما في قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} (١) ولم تدمر، وقوله: {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} (٢) ولم تفتح عليهم أبواب الرحمة، ومثل هذا كثير.


(١) سورة الأحقاف، آية: [٢٥].
(٢) سورة الأنعام، آية: [٤٤].

<<  <  ج: ص:  >  >>