للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال آخرون: المعنى في ذلك كل مولود من بني آدم فهو يولد على الفطرة أبدًا، وأبواه يحكم له بحكمهما، إن كان قد ولد على الفطرة حتى يكون ممن يعبر عنه لسانه، يدل على ذلك رواية من روى: "كل بني آدم يولد على الفطرة" وحق الكلام أن يجري على عمومه. وأجابوا عن حديث سعيد بن منصور بجوابين:

الأول: أنه ضعيف معلول بعلي بن زيد بن جدعان.

الثاني: لا معارضة بينه وبين معنى العموم في هذا الحديث؛ لأن من ولد مؤمنًا وعاش عليه ومات عليه وكذا عكسه وما أشبهه كله راجع إلى علم الله تعالى، فإنه قد يولد الولد بين مؤمنين والعياذ بالله يكون سبق في علم الله غير ذلك، وكذا من ولد بين كافرين، وإلى هذا أيضًا يرجع غلام الخضر - عليه السلام -، وقد روى قتادة عن عكرمة: "أن الغلام الذي قتله الخضر كان رجلًا، وكان قاطع طريق"، والدليل عليه حديث الزهري عن محمد بن عبد الله بن نوفل، عن عبد المطلب بن ربيعة، قال: "اجتمعت أنا والفضل بن عباس ونحن غلامان شابان قد بلغنا في ذكره من كراهية الصدقة لبني هاشم" ورد هذا بأنه كلام خارج عن العرف والمجاز وقد سمى الله -عز وجل- الإنسان الذي قتله الخضر غلامًا، فالغلام عند أهل اللغة هو الصبي، يقع عليه عند بعضهم اسم غلام من حين يفطم إلى سبع سنين، وعند بعضهم يسمى غلامًا وهو رضيع إلى سبع سنين، ثم يصير يافعًا ويناعًا إلى عشر سنين، ثم يصير حزورًا إلى خمس عشر سنة، وقد قال بعضهم: لم يقتله الخضر إلا وهو كافر، قد كفر بعد إدراكه وبلوغه، أو عمل عملًا استوجب به القتل فقتله، ورد هذا بأنه تخرص وظن لم يصح في الأثر، ولا جاء به خبر، ولا يعرفه أهل العلم، ولا أهل اللغة؛ فافهم.

ثم اختلف العلماء في معنى الفطرة، فذكر أبو عبيد أنه سأل محمَّد بن الحسن صاحب أبي حنيفة عن معنى الحديث فما أجابه بأكثر من أن قال: هذا القول من النبي - عليه السلام - قبل أن يؤمر الناس بالجهاد، كأنه حاد عن الجواب إما إشكالًا

<<  <  ج: ص:  >  >>