للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له أو لكراهة الخوض فيه، وقوله: قبل أن يؤمر الناس بالجهاد غير جيد؛ لأن في حديث الأسود بن سريع يبين أن ذلك كان بعد الجهاد، وهو قوله، قال رسول الله - عليه السلام -: "ما بال قوم بلغوا في القتل إلى الذرية، إنه ليس مولود إلا وهو يولد على الفطرة، فيعبر عنه لسانه" (١).

ورواه ابن حبان في "صحيحه" (٢) ولفظه: "ما من مولود يولد إلا على فطرة الإِسلام حتى يعرب".

وقال أبو حاتم: يريد الفطرة التي يعتقدها أهل الإسلام حيث أخرج الخلق من صلب آدم - عليه السلام - فاقروا له بتلك الفطرة من الإسلام، فنسب الفطرة إلى الإسلام عند الاعتقاد على سبيل المجاورة.

وقالت طائفة: الفطرة ها هنا الخلقة التي يخلق عليها المولود من المعرفة بربه، فكأنه قال: كل مولود يولد على خلقة يعرف بها ربه -عز وجل- إذا كبر وبلغ مبلغ المعرفة، يريد خلقة مخالفة لخلقة البهائم التي لا تصل بخلقتها إلى معرفة ذلك، قالوا: لأن الفطرة: الخلقة، والفاطر: الخالق، وأنكروا أن يكون المولود يفطر على كفر أو إيمان أو معرفة أو إنكار، قالوا: وإنما يولد المولود على السلامة في الأغلب خلقة وطبعًا وبنيةً، ليس فيها إيمان ولا كفر ولا إنكار ولا معرفة ثم يعتقدون الإيمان أو غيره إذا ميزوا.

واحتجوا بقوله في الحديث: "كما تنتج البهيمة جمعاء -يعني سالمة- هل تحسون فيها من جدعاء؟ " يعني مقطوعة الأذن، فَمَثَّلَ قلوب بني آدم بالبهائم لأنها تولد كاملة الخلق ليس فيها نقصان ثم تجدع بعد ذلك، فكذا قلوب الأطفال في حين ولادتهم ليس بهم كفر حينئذ ولا إيمان ولا معرفة ولا إنكار، مثل البهائم السالمة، فلما بلغوا استهوتهم الشياطن فكفر أكثرهم إلا من عصمه الله تعالى، قالوا: ولو كان


(١) أخرجه أحمد في "مسنده" (٤٣٥/ ٣ رقم ١٥٦٢٦) بنحوه.
(٢) "صحيح ابن حبان" (١/ ٣٤١ رقم ١٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>