للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأطفال قد فطروا على الكفر أو الإيمان في أول أمرهم ما انتقلوا عنه أبدًا، فقد تجدهم مؤمنين ثم يكفرون ثم يؤمنون، ويستحيل أن يكون الطفل في حين ولادته يعقل شيئًا؛ لأن الله تعالى أخرجهم في حال لا يفقهون معها شيئًا، فمن لا يعلم شيئًا استحال منه كفر أو إيمان أو معرفة أو إنكار.

قال أبو عمر: هذا القول أصح ما قيل في معنى الفطرة هنا، والله أعلم.

وقال الباقلاني: المراد أن كل مولود يولد في دار الإسلام فحكمه حكم الدار، وأنه لاحق بكونه مولدًا موجودًا بأحكام المسلمين في تولي أمره ووجوب الصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين ومنعه من اعتقاد غير الإسلام إذا بلغ.

وقوله: "فأبواه يهودانه" يريد أنه إذا ولد على فراشهما لحق بأحكامهما في تحريم تولي أمره ولم يرد أنهما يجعلانه يهوديًّا ولا نصرانيًّا.

وقال القزاز في "جامعه": قال بعض المفسرين في قوله: "كل مولود يولد على الفطرة" إنما قال: هذا قبل أن تنزل الفرائض؛ لأنه لو كان يولد على الفطرة ثم مات أبواه قبل أن يهودانه أو ينصرانه لما كان يرثهما ويرثانه، فلما نزلت الفرائض عُلِمَ أنه يولد على دينهما.

وقالت طائفة: الفطرة هنا: الإسلام، وهو المعروف عند السلف من أهل العلم بالتأويل؛ فإنهم أجمعوا في قول الله -عز وجل-: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} (١) قالوا: هي دين الإسلام؛ لأن الإسلام والإيمان: قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، وهذا معدوم في الطفل.

وقالت طائفة: معنى قوله: "على الفطرة": على البَدْأَة التي ابتدأهم عليها، أي على ما فطر الله تعالى عليه خلقه من أنه ابتدأهم للحياة والموت والسعادة والشقاء وإلى ما يصيرون إليه عند البلوغ من قبولهم من آبائهم واعتقادهم فكأنه قال: كل


(١) سورة الروم، آية: [٣٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>