للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ص: وخالفهم في ذلك أكثر العلماء فقالوا: لا يجب الوضوء إلَّا مِنْ حدَث.

ش: أيّ خالف القوم المذكورين أكثر العلماء من الأئمة الأربعة وأصحابهم، وأكثر أصحاب الحديث، وغيرهم، فقالوا: لا يجب الوضوء إلَّا من أجل حدَث، وذلك لأن آية الوضوء نزلت في إيجاب الوضوء من الحدث عند القيام إلى الصلاة؛ لأن قوله: تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} (١) معناه إذا أردتم القيام إلى الصلاة وأنتم محدثون.

وقال الإِمام أبو بكر الرازي ما ملخصه: إنَّ ظاهر الآية يقتضي وجوب الطهارة بعد القيام إلى الصلاة؛ لأنه جعل القيام إليها شرطا لفعل الصلاة، وحكم الجزاء تأخره عن الشرط، ولا خلاف بين السلف والخلف أنَّ القيام إلى الصلاة ليس بسبب لإيجاب الطهارة، وأنَّ سبب وجوبها شيء آخر غيره، وقد بُيِّن ذلك في حديث أسماء بنت زيد: "أنَّ رسول الله - عليه السلام - أُمِرَ بالسواك عند كل صلاة، ووضع عنه الوضوء إلَّا من حدَثٍ" (٢) فدلّ هذا أنَّ وجوب الوضوء من الحدث عند القيام إلى الصلاة. هذا ما ذكره.

قلت: اختلفوا في سبب وجوب الوضوء؛ فقالت الظاهرية: هو القيام إلى الصلاة، وكل من قام إليها فعليه أنْ يتوضأ وإنْ كان على الوضوء، لظاهر الآية.

وقال أهل الطَّرْدِ: وسببه الحدث؛ لدورانه معه وجودا وعدما، وقال أبو بكر الرازي: سببه الحدث عند القيام إلى الصلاة. كما ذكرنا الآن، وكل ذلك فاسد، أما الأول فلحديث بُريدة أنَّه - عليه السلام - يوم الفتح صلى الصلوات الخمس بوضوء واحد، ولأن فيه تسلسلا على ما لا يخفى وهو باطل، وأما الثاني والثالث فكذلك لأنَّا


(١) سورة المائدة، آية: [٦].
(٢) أخرجه أبو داود في "سننه" بمعناه (١/ ١٢ رقم ٤٨)، وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (١/ ١١ رقم ١٥)، والحاكم في مستدركه (١/ ٢٥٨ رقم ٥٥٦) كلهم من طريق أسماء بنت زيد بن الخطاب، عن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الغسيل، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

<<  <  ج: ص:  >  >>