للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا نسلم أنَّ الدوران دليل العليَّة، ولئن سلّمنا ذلك لا نسلم أنَّ الدوران وجودا موجود؛ لأنه قد يوجد الحدث ولا يجب الوضوء ما لم تجب الصلاة بالبلوغ ودخول الوقت، وقد يقال: السبب ما يكون مفضيًا إلى الشيء ويجتمع معه، والحدث رافع للطهارة، فكيف يكون سببا لها؟! والصحيح في المذهب: أنَّ سبب وجوب الوضوء الصلاة؛ لأنه نسب إليها، ويقوم بها، ويجب بوجوبها، ويسقط بسقوطها، وهو شرطها فيتعلق بها، حتى لم يجب قصدا لكن عند إرادة الصلاة، والحدث شرطه، فإنْ قلت: لا يجوز أنَّ تكون الصلاة سببًا لأنه لا بد حينئذ يكون الوضوء حكما وشرطا للصلاة، وهو فاسد؛ لأن المتقدم متأخر والمتأخر متقدم.

قلت: الوضوء شرط الجواز، والصلاة سبب الوجوب، وبينهما مغايرة. فافهم.

وإنما قلنا: إنَّ الحدث شرطه لأن الأمر بالوضوء أمر بالتطهير وهو يقتضي النجاسة لا محالة إما حقيقة أو حكمًا، والأول منتفٍ بالإجماع، فتعين الثاني، وإلَّا يلزم إلغاء النص عن الفائدة، وأنَّ القيام المذكور بإطلاقه يتناول كل قيام، وهو غير مراد بالإجماع، فتعين أخصّ الخصوص وهو القيام إلى الصلاة وهو محدث، قد يكون تقدير الآية: إذا قمتم إلى الصلاة وأنتم محدثون. أو إذا قمتم إلى الصلاة عن المنام. والنوم دليل الحدث، فإنْ قلت: قد صرح بذكر الحدث في الغسل والتيمم دون الوضوء فما الفائدة فيه؟

قلت: ليعلم أنَّ الوضوء يكون سُنّة وفرضا، والحدث شرط في الفرض دون السُّنَّة؛ لأن الوضوء على الوضوء نور على نور (١)، والغسل على الغسل والتيميم


(١) هذا لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" (١/ ٩٨ رقم ٣١٥): وأما الحديث الذي يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الوضوء على الوضوء نور على نور" فلا يحضرني له أصل من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولعله من كلام بعض السلف والله أعلم.
وقال العراقي في "تخريج الإحياء" (١/ ١٢٠): لم أجد له أصلًا.
ونقل صاحب "كشف الخفا" (٢/ ٤٤٧) عن الحافظ ابن حجر أنه قال: حديث ضعيف، ورواه رزين في "مسنده".

<<  <  ج: ص:  >  >>