ص: وليس على أهل هذه المقالة حجة عندنا في الحديث الأول؛ لأنه يجوز أن يكون ما تصدق به النبي من ذلك على أرامل بني عبد المطلب لم يجعله من جهة الصدقة التي تحرم على بني هاشم في قول من يحرمها عليهم، ولكن جعلها من جهة الصدقة التي تحل لهم؛ فإنا قد رأينا الأغنياء من غير بني هاشم قد يُصَدِّق الرجل على أحدهم بداره أو بعبده فيكون ذلك جائزًا حلالًا ولا يحرمه عليه ماله، وكان ما يحرم عليه بماله من الصدقات هو الزكوات والكفارات والصدقات التي يتقرب بها إلى الله تعالى، فأما الصدقات التي يراد بها طريق الهبات وإن سميت صدقات فلا، فكذلك بنو هاشم حرم عليهم؛ لقرابتهم من الصدقات مثل ما حرم على الأغنياء بأموالهم.
فأما ما كان لا يحرم على الأغنياء بأموالهم فإنه لا يحرم على بني هاشم بقرابتهم؛ فلهلما جعلنا ما كان تصدق به رسول الله - عليه السلام - على أراملهم من جهة الهبات وإن سمي ذلك صدقة، وهو الذي ينبغي أن يحمل تأويل ذلك الحديث الأول عليه؛ لأنه قد
روي عن ابن عباس.
ما قد حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا سعيد وحماد ابنا زيد، عن أبي جهضم موسى بن سالم، عن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال:"دخلنا على ابن عباس فقال: ما اختصنا رسول الله - عليه السلام - بشيء دون الناس إلا بثلاث: إسباغ الوضوء، وأن لا نأكل الصدقة، وأن لا نُنْزي الحمر على الخيل".
حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا سليمان بن حرب، قال: أنا حماد بن زيد، عن أبي جهضم ... فذكر بإسناده مثله.
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو عمر الحوضي، قال: ثنا مرجا بن رجاء، عن أبي جهضم ... فذكر بإسناده مثله.
قال أبو جعفر -رحمه الله-: فهذا ابن عباس - رضي الله عنهما - يخبر في هذا الحديث أن رسول الله - عليه السلام - اختصهم أن لا يأكلوا الصدقة، فليس يخلو الحديث من أن يكون على ما ذكرنا