والثاني: أن يكون واجبًا ثم نسخ بدليل قوله: قد عفوت لكم، عن صدقة الخيل؛ إذ العفو لا يكون إلا عن شيء لازم.
قلت: فلأبي حنيفة أن يقول: المراد به صدقة خيل الغزاة وكلامنا في الخيول السائمة، وأيضًا فالذي يكون على وجه الندب لا يطلق عليه حق.
وأما دعوى النسخ فبعيدة؛ لأنه لو كان لاشتهر في زمن الصحابة - رضي الله عنهم -، ولما قرر عمر - رضي الله عنه - الصدقة في الخيل، وأن عثمان - رضي الله عنه - ما كان يصدِّقها.
وروى عبد الرزاق (١): عن ابن جريج، أخبرني ابن أبي حسين، أن ابن شهاب أخبره:"أن عثمان - رضي الله عنه - كان يصدق الخيل".
ص: وحجة أخرى: أن الذِكر في الحديث الذي رويناه عن أبي هريرة إنما هو في الخيل المرتبطة، لا في الخيل السائمة.
ش: أراد بها الجواب الآخر عن الحديث الذي احتجت به أهل المقالة الأولى وهو أن ذِكر الخيل في حديث أبي هريرة إنما هو في الخيل المرتبطة عند أربابها لا في الخيل السائمة التي ترعى.
وفيه نظر؛ لأنه ذكر الخيل عقيب ذكر زكاة المال وزكاة الإبل وزكاة الغنم كما ذكرناه في حديث مسلم الطويل وحديث البزار، وهذه قرينة أن المراد من الخيل: الخيل التي فيها الزكاة، وأن المراد من الحق فيها: هو الزكاة.
ص: وحجة أخرى: أنا رأينا رسول الله - عليه السلام - ذكر الإبل السائمة أيضًا فقال: فيها حق، فسئل عن ذلك الحق ما هو؟ فقال:"إطراق فحلها، وإعارة دلوها، ومنيحة سمينها".
حدثنا بذلك ابن مرزوق، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي - عليه السلام -.
(١) "مصنف عبد الرزاق" (٤/ ٣٥ رقم ٦٨٨٨)، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٢/ ٣٨١ رقم ١٠١٤٣).